فنزويلا .. بين مطرقة الشعوذة وسندان الفساد
ترجمة: حسن شعيب
بالنظر إلى التاريخ الأمريكي, من الممكن للآباء أن يتوقعوا أن أطفالهم قد يكونوا أفضل حالا بشكل كبير من الناحية التعليمية مما كانوا عليه, إلا أن ذلك لم يعد صحيحا, وبالتأكيد هذا التطور له عواقب وخيمة على الاقتصاد وارتفاع مستوى التحصيل التعليمي حسب ما أشار الاقتصاديان كلوديا جولدن ولورنس كاتز.
خلال حقبة طويلة تمتد بين عامي 1891 -2007 ارتفع متوسط "المردود الاقتصادي الفردي" بمعدل بلغ 2 بالمائة سنوياً، وبقي يتضاعف كل 35 عاماً, وكان متوسط مستوى معيشة الفرد الأمريكي في عام 2007 أعلى بمرتين مما كان عليه عام 1972، وبأربع مرات مما كان عام 1937، وبثماني مرات مما كان عام 1902.
علاوة على ذلك, يساير هذا التطور التحسن المتواصل في أداء قطاع التعليم الذي كان يسجل تطوراً ثابتا, ولكن، ومنذ عام 1990، سجل هذا القطاع تباطؤاً في سرعة تطوره, كما أن الشركات الكبرى تحرص على دفع أجور أفضل للموظفين ذوي الخلفيات التعليمية الأفضل.
ومن الممكن تفسير ذلك ببساطة في الزيادة المتواصلة للطلب على المهارات التقنية والاتصالية مقابل تراجع الطلب على العمالة غير الماهرة أو حتى نصف الماهرة إلى أدنى الحدود, وفيما تسير الخطة التي يجري تنفيذها الآن لإصلاح المنظومة التعليمية في الولايات المتحدة بسرعة الحلزون، بدأ الشعور بالقلق حول مستقبل النمو الاقتصادي يرتاب أوساط صناعة القرار.
جدير الملاحظة أن الطفرة التي سجلت في معدل التخرج من المرحلة الثانوية والتي ارتفعت بشكل مذهل من 10 بالمائة من مجمل أعداد الشباب عام 1900 إلى 80 بالمائة عام
1970، كانت تمثل العامل المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة خلال القرن العشرين.
بيد أن المشكلة الكبرى تكمن في انحدار وتراجع نوعية التعليم في الولايات المتحدة, وصنف "البرنامج العالمي لتحديد مستوى التلاميذ" درجة تحصيل طلاب المدارس الثانوية في أمريكا في المستوى "القريب من المتوسط" في المهارات المتعلقة بمادتي الرياضيات والعلوم.
كما سجلت تكاليف التعليم الجامعي ارتفاعاً متواصلاً تجاوز سرعة تزايد التضخم خلال العقود الأخيرة. ومع ذلك، يبقى أكثر من ربع الخريجين الجامعيين عاطلين أو نصف عاطلين عن العمل. وتساهم "معاهد السنتين" أو ما يعرف باسم "معاهد التعليم نصف العالي" بتخريج 37 بالمائة من حملة الشهادات ما فوق المدرسية.
في ذات السياق, أوضحت نشرة إحصائية حديثة أن 13 بالمائة فقط من طلاب تلك المعاهد ينجحون في التخرّج خلال سنتين من الدراسة, ويعزى سبب ذلك إلى أن معظم طلاب هذه المعاهد يزاولون أعمالا أخرى إلى جانب الدراسة، كما أنهم لا يحتكمون إلى الأساس التعليمي الكافي للنجاح وغالباً ما يُطلب منهم الاشتراك في الدروس الاستدراكية قبل الموافقة على تسجيلهم.
من جانبهم, وجه الخبراء أصابع الاتهام في هذا الانخفاض إلى البرامج الحكومية الفيدرالية ومنها على سبيل المثال برنامج يحمل الاسم الغريب والطويل "ما من طفل سيستبعد عن السباق إلى القمة"، والذي وصف بأنه بالغ كثيراً في إجراء اختبارات تحديد مستوى الإنجاز للمعلمين وصرف النظر عن الكثير من القضايا الأخرى.
من جهة أخرى, سجل معظم التلاميذ انخفاضا في تحصيلهم الثقافي, وحتى لو كان أحد الأبوين أو كلاهما حاصل على وظيفة يكسب منها رزقه، فإن التلاميذ غالباً ما يعجزون عن شراء الكتب المدرسية. وحتى لو امتلكوا تلك الكتب فإن من النادر أن يحصلوا على مساعدة
آبائهم في التعليم المنزلي. وبالمقارنة مع بلدان أخرى وحيث نجد تلاميذ المدارس يتحمسون لتعلم عدة لغات ويحرصون على إنجاز وظائفهم المنزلية في مادة الرياضيات، فإن هذه النشاطات المفيدة شديدة الندرة في الولايات المتحدة.
هل هناك حلول لهذه المشاكل والمعوقات التعليمية؟
إن التعليم في الولايات المتحدة هو الطريق إلى مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً يقتضي البحث عن أنجع الحلول المنهجية لهذه المشاكل, حيث قال "ستيف جوبز" قبل وفاته بقليل لأوباما بأن "البطاقة الخضراء" التي تعطي صاحبها الحق في الإقامة الدائمة على أراضي الولايات المتحدة، يجب منحها بشكل آلي وسريع لأي طالب أجنبي يظهر مواهب في علوم الهندسة، وهو الحقل الذي يحتاج إلى الكثير من المتفوقين من أجل سدّ العجز التي تعاني منه الولايات المتحدة.
وفي غياب أفق واضح لحل تلك المشاكل، عمدت بعض الجمعيات التطوعية إلى إطلاق مبادراتها الخاصة في هذا الإطار. ومنها على سبيل المثال برنامج "التحق بنا وتعلّم"، الذي يشارك فيه 12 ألف طبيب أطفال يتوزعون على مشافي الولايات المتحدة تطوعوا لتوجيه أولياء الأمور إلى أهمية التعليم المنزلي من أجل رفع مستوى الإنجاز المدرسي لأبنائهم. وكان الأطباء يوجهون هذه النصائح أثناء تردد الأمهات على المستشفيات لفحص أطفالهن.
ويمكن القول إن مقدار ما يدفعه الأمريكان من أموال من أجل تطوير التعليم هو الذي يحكم على درجة التقييم, حيث يتولى كل إقليم في كندا إدارة وتمويل التعليم في مستوياته الثلاثة، الابتدائي والثانوي والجامعي، وذلك من أجل تجنب التفرقة السائدة بين التلاميذ في النظام التعليمي المتبع في الولايات المتحدة.
لهذا السبب ينبغي علينا ألا نستغرب أن معدل تخرج الطلاب الجامعيين في كندا يفوق نظيره في الولايات المتحدة بأكثر من 15 بالمائة, ومهما بلغت المشاكل التعليمية في بلادنا من التعقيد، فإن باستطاعتنا التغلب عليها حتى يبقى التعليم مقابل فعّال للاقتصاد.
-----------------------------
طالع .. المصدر
تعليقات