الهند .. مشروع لإطعام الجوعى!
ترجمة: حسن شعيب
خلال الاحتفال بمهرجان الحبوب،
كان من المزمع أن يتدفق إليها آلاف الفقراء لشراء القمح والأرز وبعض المواد
الغذائية الأخرى ذات الأسعار المدعومة من الحكومة عبر واحد من أكثر البرامج
الاجتماعية ضخامة, إلا أن المهرجان لم تعمّه البهجة المنتظرة في هذه القرى ذات
البيوت الحجرية الصغيرة في مدينة شيفبوري، حيث لا تتوقف الأمطار الغزيرة عن
التساقط.
برغم ذلك, في أحيان كثيرة يشتكي
القرويون في هذه الديار من قلة المواد الغذائية وشحّ الطعام, حيث قال أحد القرويين
"لم أعد أذكر آخر مرة رأيت فيها الأرز, وقد لا يختلف هذا الرجل عن باقي
القرويين الآخرين في المناطق الفلاحية الهندية، الذين تتلخص همومهم في عبارة
واحدة: كيف يمكنني أن أبقي عائلتي على قيد الحياة؟".
جديرٌ بالإشارة أن برنامج الحبوب
المدعومة هو الأضخم في تاريخ الهند، ويستهدف مساعدة أكثر من 400 مليون هندي يعيشون
في المناطق الفلاحية وضواحي المدن على شراء الحبوب وبعض السلع الأساسية الأخرى مثل
السكر والكيروسين بأسعار منخفضة.
في الوقت الراهن, تعمل الهند على
إطلاق عملية تطوير شاملة لهذا البرنامج بحيث يتضاعف حجمه حتى يغطي حاجة 800 مليون
مواطن أو ما يعادل ثلثي سكان الهند من الغذاء, وإذا حظي هذا المشروع
بموافقة البرلمان مثلما هو متوقع، فسيكون واحداً من أضخم المشاريع وأكثرها تكلفة
في العالم.
وفي الوقت الذي يشهد فيه معدل
النمو الاقتصادي في الهند تباطؤا ملحوظا، كما أن المخزون الغذائي للدولة يتعرض
لضغوط هائلة بسبب التزايد السريع في عدد السكان، وانحسار مساحة الأرض القابلة
للزراعة ونقص مصادر مياه الري.
من
جانبه, صرح بيراج باتنايك, المستشار الأول
للجنة الأمن الغذائي في المحكمة العليا، "أن فاتورة المشروع الموسّع تأتي في
وقت تشهد فيه الهند تحوّلاً جذرياً", ولكنها ما زالت تعج بالملايين من
المواطنين المفتقرين إلى الغذاء الكافي, كما أضاف "لا يمكن لدولة ناشئة أن
تدعي أنها أصبحت قوة عظمى في الوقت الذي يعاني فيه 46 بالمائة من أطفالها من سوء
التغذية.
حتى لو تم إقرار هذه الفاتورة
الضخمة، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه: هل يمكن للهند أن تقود مثل هذا البرنامج
الطموح إلى النجاح؟, ويعمل
نظام الدعم الحكومي للمواد الغذائية الأساسية والمتبع الآن، بطريقة بيعها للقطاع
الخاص، وبمعنى أصحّ للدكاكين التي تبيع بأسعار رخيصة.
ويعاني الهنود من سوء الإدارة
الحكومية لبرامج مساعدة الفقراء, حيث مات خلال الشهر الماضي، 23 طفلاً في منطقة
أخرى بسبب تناولهم لأطعمة مدرسية مجانية ملوّثة بمبيدات الحشرات, وتعالت الانتقادات في البرلمان ومراكز البحوث
الأكاديمية حول الحكمة من توسيع برنامج الحبوب المدعومة الذي يشكو من الفساد
والتبذير.
كما أشارت إحصائية أنجزها البروفسيور
بهارات راماسوامي في وحدة التخطيط التابعة للمعهد الهندي للإحصاء في نيودلهي، إلى
أن 40 بالمائة من الأغذية المدعومة أو المجانية لا تصل إلى من يحتاجها, حيث أضاف "إنه
نظام مليء بالثغرات ونقاط الضعف, وجعله الفساد أكثر تكلفة مما لو تم تنظيمه عن
طريق المنظمات الخاصة".
ويصيب التلف كميات كبيرة من مخزون
الهند من الحبوب بسبب سوء التخزين وهجوم الفئران، أو يختفي معظمها من المخازن
الحكومية ليباع في الأسواق السوداء. ويقول راغفيندرا سينج وهو مؤسس جمعية غير
ربحية تدعى هنود يعملون لخير الآخرين: إن الأمر هنا يبدو كما لو أنك أطلقت أسداً
بلا أسنان في حقل. ولاشك أن هذه
المشاكل لن تعرف طريقها إلى الحل.
وعلى رغم كل هذه العوامل المحبطة،
فقد عمد المسئولون الحكوميون في منطقة شيفبيوري إلى تنظيم منتدى للتدريب على إدارة
البرنامج الوطني للدعم الغذائي الذي تأمل الحكومة بإطلاقه رسمياً خلال الشهر
الجاري.
ويقضي البرنامج بمنح جراية أو حصة
فردية تبلغ 5 كيلوجرامات من القمح أو الأرز أو خليط من الحبوب كل شهر مجاناً أو
بسعر مدعوم، بحيث يستفيد منها ملايين الناس وخاصة العائلات الأكثر فقراً.
والآن، يتلقى أكثر من 120 مليون
تلميذ في المدارس الابتدائية الحكومية وجبات غداء مجانية يومية لتلاميذها، إلا
أنها تفتقر لنظام صارم لحماية هذه الوجبات من الناحية الرقابية القانونية حتى تحقق
الحد الأدنى من معايير الصحة والسلامة وفقاً لما يقول ساكاشي بالاني المحلل في
مركز للبحوث تابع للبرلمان الهندي.
ثم إن فاتورة المشروع تخلو من بعض
العوامل المهمة ذات العلاقة المباشرة بمشكلة سوء التغذية في الهند، ومنها الافتقار
لنظام مناسب للصرف الصحي وصعوبة تأمين مياه الشرب وعدم توافر الرعاية الصحية.
من جانب
آخر, تتردد المعارضة في توجيه انتقاداتها
للبرنامج الذي وصفته بأنه يعتمد معايير باهظة التكلفة. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة
التوسع في المشروع ما بين 5 و 6 مليارات دولار سنوياً في وقت انخفضت فيه قيمة
الروبية الهندية إلى رقم تاريخي لم تبلغه من قبل فيما تراجعت وتيرة الاستثمارات
الأجنبية في البلاد.
كما اعتمدت الحكومة الهندية نظاما
جديدا لتوزيع الغذاء بحيث يتم التحكم فيه عن طريق الحكومات المحلية للولايات في
إطار محاولة للحدّ من الفساد والتلاعب، إلا أن نجاح التطبيق يتباين كثيراً بين
ولاية وأخرى, وما زالت طريقة دفع المبلغ النقدي المساوي لثمن الوجبات الغذائية في
حساب المستفيد مباشرة من أجل تجنّب السرقة، قيد الاختبار، وهي في بداياتها الأولى.
-----------------
طالع ..المصدر
تعليقات