محادثات السلام .. سراب "حق العودة"
ترجمة: حسن شعيب
من
المتوقع أن يواجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صعوبة كبيرة في التسويق لأي
اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع إسرائيل في مخيمات لاجئين مكتظة وباهتة مثل مخيم الدهيشة
الواقع قرب مدينة بيت لحم.
ثمة
فجوة كبيرة للغاية بين ما ينظر إليه اللاجئون الفلسطينيون وأبناؤهم وأحفادهم
باعتباره حلًا عادلا لمعاناتهم كلاجئين اقتُلعوا من أراضيهم، والموقف التفاوضي
لإسرائيل المتمثل في عدم السماح لأي لاجئ فلسطيني بالعودة, وباعتباره الطرف الأضعف
في المفاوضات، يمكن القول إن عباس سيواجه صعوبة كبيرة على الأرجح.
ومن
أحد هذه الأراضي, قرية زكريا, التي لم يتبقى منها سوى المسجد، حيث تقول فاطمة
الحاج العدوي, التي تسكن مخيم الدهيشة، وكانت طفلة عندما غادرت عائلتها القرية، "إنها
ما زالت تتمسك بذكرياتها عن تلك القرية الواقعة غرب القدس، والتي تحولت إلى منطقة
زراعية تعاونية لمهاجرين يهود بعد أن طُرد منها آخر الفلسطينيين في يونيو 1950،
وغيِّر اسمها إلى زكرياء", حيث يعود كلا الاسمين بالنسختين العربية والعبرية
إلى النبي زكريا.
صحيحٌ
أن المباني التي تتذكرها فاطمة هُدمت وأزيلت في ظل سياسة الحكومة الإسرائيلية التي
تقوم على تدمير القرى الفلسطينية من أجل استبعاد فكرة عودة السكان السابقين، غير
أن التعلق العاطفي بأراضي الآباء والأجداد انتقل، على رغم ذلك، من جيل إلى آخر, حيث قالت فاطمة "أريد أن أموت في قريتنا،
في منزلنا في زكريا, فأنا لا أنسى بلدي".
بينما
قالت ابنة ابن أخيها، مروة العدوي، محامية في الرابعة والعشرين من عمرها، ولم يسبق
لها أن رأت المكان الذي تحول الآن إلى بلدة أسطح منازلها من القرميد الأحمر بالقرب
من بيت شيمش، "إنني من قرية زكريا، وليس الدهيشة، وأي شخص يسألني عن المكان
الذي أنحدر منه، أجيبه بأنني من زكريا، مضيفة إنها قرية أجدادي ونأمل أن نعود
إليها يوماً ما, إنه حقنا وحلمنا", مضيفة عن الإسرائيليين الذين يعيشون هناك,
"إن أي شيء يؤخذ بالقوة غير مقبول، إنها مسألة عدالة وكرامة, ولا يمكن للرئيس
أو أي شخص آخر أن يتخلى عن هذا الحق".
جدير
بالذكر أن أكثر من 700 ألف فلسطيني طردوا أو فروا من أراضيهم عندما أُسست إسرائيل
في 1948, أما في الوقت الحالي، باحتساب المنحدرين منهم، هناك أكثر من 4.7 مليون
لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة ويعيشون في الضفة الغربية، وقطاع غزة،
والأردن، وسوريا، ولبنان, ونحو 13 ألفاً منهم يعيشون اليوم في الدهيشة في مساحة
تعادل كيلومترا مربعا تقريبا.
ويشار
أن عباس كان قد أثار حفيظة بعض الفلسطينيين في وقت لاحق عندما قال إنه لا يملك
الحق في العيش في صفد، البلدة التي وُلد فيها وتقع شمال إسرائيل، وإنما في زيارتها
فحسب، وإن فلسطين بالنسبة له هي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع القدس الشرقية كعاصمة
لها, لكنه, عقب سيل من الانتقادات، أوضح "أنه كان يتحدث عن موقفه
الشخصي وأن تصريحاته ليس لها أي تأثير على حق العودة الذي يشدد عليه الفلسطينيون
للرجوع إلى منازلهم وأراضيهم السابقة".
في
هذا الصدد قال عبد الله عبد الله، نائب رئيس العلاقات الدولية في حركة فتح,"إن
الموضوع الرئيسي هو الحصول على حقنا في تقرير المصير وإقامة دولتنا على الأراضي التي
احتُلت عام 1967"، مضيفاً "تلك هي البداية والنهاية، وأي مشكلة تظهر
بينهما هي قابلة للحل, فنحن لا نستطيع التخلي عن حقنا في العودة، ولكننا مستعدون
لمناقشة كيفية تطبيق هذا الحق".
كما
أشار إلى أن أي اتفاق سلام سيُعرض على استفتاء شعبي, وإذا كان الرأي العام معارضاً
لأي جوانب من الاتفاق بشكل كبير، فإن الناخبين يمكنهم إحباط ذلك الاتفاق, لكن ليس
كل الفلسطينيين مهتمون بالعودة إلى قرى الآباء والأجداد على ما يبدو.
من
جانبه, قال لطفي السيد، الذي يعمل حلاقاً، "إن أي اتفاق سلام يمنح
الفلسطينيين كل الضفة الغربية وقطاع غزة، ويضمن وصولهم إلى القدس بدون عراقيل،
ويسمح للناس بالعيش بكرامة هو مقبول بالنسبة له", وعندما سُئل عن سبب تخليه
عن فكرة العودة إلى ذكرين، قرية آبائه وأجداده التي دُمرت داخل إسرائيل، أجاب سيد،
وهو أب لستة أطفال، "لأن ذلك مستحيل".
وفي
الوقت ذاته تروي فاطمة أنه خلال القتال في أكتوبر 1948، قامت القوات اليهودية بقصف
القرية، وقيل إن تلك القوات أخبرت القرويين أيضا بأنهم يستطيعون البقاء في منازلهم
إذا استسلموا, ولكن الأغلبية الساحقة من السكان, فروا من القرية مخافة أن تقدم
القوات اليهودية على قتل العرب, بعد دير ياسين، في إشارة إلى المجزرة التي قُتل
فيها نحو 250 فلسطينياً قرب القدس على أيدي عصابات يهودية في أبريل 1948.
بالفعل
بعد ذلك, أصدر الحكومة الإسرائيلية قراراً يقضي بإفراغ قرية زكريا ممن بقي فيها من
السكان الفلسطينيين، وذلك بعد أن أخذت تنظر إليها كموقع ممكن لتوطين المهاجرين
اليهود, حيث كتب مؤرخ إسرائيلي قائلا "إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن
جوريون قرر في يناير 1950 طرد العرب ال 145 الذين بقوا في زكريا, وفي يونيو 1950
نُفذ الطرد، وأقيمت على أنقاض القرية مزرعةٌ إسرائيلية.
-----------------
طالع ..المصدر
تعليقات