نسف الربيع العربي.. هل تفلت تونس؟!
ترجمة: حسن شعيب
من
المؤكد أن الأحداث التي أعقبت الانقلاب العسكري في مصر ساءت للغاية حتى
وصلت إلى درجة ارتكاب مجزرة, كما كانت التطورات الأخيرة مروعة تماما, حيث
وصلت أعداد القتلى إلى المئات والآلاف من الجرحى, لكن حتى الآن على ما
يبدو, لم تكن الجهات الفاعلة الرائدة في العالم الغربي قادرة على وصف ما
حدث بأنه "مذبحة".
ومن
المثير أن المطلعون بالفعل على السياسة الدولية, لم يجدوا بالتأكيد هذا
الوضع غريبا, وما وليس علينا سوى أن نتذكر بأنه قبل 20 عاما فقط، قتل عشرات
الآلاف من الأشخاص، معظمهم من البوشناق (مسلمي البوسنة)، في منطقة البلقان
بسبب انتمائهم العرقي أو الطائفي.
ما حدث في البلقان كان إبادة جماعية, ولكن ما الذي رأيناه في وقتها؟ لقد واجهنا كلمة جديدة، الكلمة التي دخلت قاموس أوكسفورد الإنكليزي, "التطهير العرقي", فالغرب لم يستخدم كلمة "الإبادة الجماعية" لوصف ما حدث, بدلا من ذلك فإنه يفضل التعتيم على الحدث مع مفهوم تقني لا يحتوي على إيحاءات اخلاقية.
ما حدث في البلقان كان إبادة جماعية, ولكن ما الذي رأيناه في وقتها؟ لقد واجهنا كلمة جديدة، الكلمة التي دخلت قاموس أوكسفورد الإنكليزي, "التطهير العرقي", فالغرب لم يستخدم كلمة "الإبادة الجماعية" لوصف ما حدث, بدلا من ذلك فإنه يفضل التعتيم على الحدث مع مفهوم تقني لا يحتوي على إيحاءات اخلاقية.
مرة
أخرى, نرى الغرب يستجيب مع مصطلح مشابه على ما يحدث في الشوارع العربية,
في السياسة الدولية هذا ما يسمى بالسياسة الواقعية, حيث أن وصف الانقلاب
بالانقلاب والمذبحة بالمجزرة هي مسألة مبدأ, فتتحول الكلمات إلى مناورات
دلالية تمليها المصالح الخاصة, ويمكن العثور على أمثلة لا تعد ولا تحصى من
هذا الموقف غير المتناسق في السياسة الدولية.
بناء
على ذلك، ينبغي للمرء أن يتوقف عن التصرف كما لو أن طبيعة النظام الدولي
لا تقوم على القوة والمصالح ولا تضع أولويات السياسة الواقعية, بدلا من
ذلك، ينبغي للمرء أن يرسم موقف الجهات الفاعلة الإقليمية التي تدعم التغيير
على طول محور من بيانات حقيقية.
مجزرة في مصر
في
هذا الصدد، توفر لنا التطورات الأخيرة من الربيع العربي بعض الأمثلة
اللافتة للنظر, على سبيل المثال مقتل زعيم معارض بارز آخر في تونس برصاصة
من نفس البندقية المستخدمة في أول اغتيال يعني أن هناك نية لخنق الربيع
العربي في مهده, وقد كانت هذه الاغتيالات ردود الافعال على الوضع الراهن
التي تهدف إلى إطالة عمر النظام القديم وتأخير ولادة واحد جديد .
ومع
ذلك يمكننا ان نقول بأن المثقفين السياسيين في تونس قد أعطوا ردود فعل
أكثر بديهية من اولئك في مصر, وقد أدانت الحكومة التونسية بشدة جريمة
القتل، وفي الوقت نفسه تعمل جاهدة للقبض على المسئولين عنها وتقديمهم الى العدالة.
ويمكن
لصناع القرار في تونس الذين يرون بأن الربيع العربي هو تحت حصار شديد
العمل بصبر لكسر الحصار من خلال المبادرات الصحيحة, وبالتالي تونس تهدف إلى
أن تكون منارة للأمل في الربيع العربي و دحض الاعتقاد بأن "الديمقراطية لا
يمكن أبدا أن تخرج من كلمة مسلم", وهي الفكرة التي شكلتها التحيزات
الاستشراقية.
التطورات في مصر من ناحية أخرى تثير القلق, وكان المجلس العسكري الذي يحكم الآن في السلطة منذ 3 يوليو مشغول في القيام بعكس ما تقوم به الحكومة في تونس - خلق توتر بين الناس، والتسبب في الاستقطاب.
نتائج
أول تطبيقات هذه الحكومة الجديدة ظهرت قبل أسبوعين، مع هوسها بجعل الحشود
الغاضبة تتنافس ضد بعضها البعض، وكانت نتائج كئيبة, أكثر من 200 حالة وفاة و
4000 جريح على الأقل, ومع الحملة الأخيرة على المتظاهرين المناهضين
للانقلاب فان الوضع اليوم في 14 أغسطس، في مصر يبدو أنه قد تعمق أكثر.
كلما ازداد عمق الأزمة في مصر كلما وقع المزيد من الضحايا, بينما
يتم باستمرار تحديث عدد القتلى والجرحى، فان التقارير الأولى بعد تحرك
قوات الأمن لمسح اعتصامي الاحتجاج في القاهرة تشير إلى أن عدد القتلى أكثر
من ألف إلى جانب الآلاف من الجرحى.
وهناك
أيضا عقلية سائدة يسوغها الإعلام المصري أو اعتقاد يقول بأن أنصار مرسي،
هم إرهابيون, وطالما يتم اتهام الناس بالإرهاب فإنهم سيواصلون القول
"نحن لا يجب أن نتورط في أعمال العنف, سوف نقوم ببساطة بممارسة حقنا في
المقاومة الديمقراطية", مما يثير غضب صانعي الانقلاب المصريين الذين
يحاولون إثبات قوتهم عن طريق قتل الناس العزل.
وبالقيام
بذلك، فان صانعي الانقلاب يرتكبون خطأ خطيرا, فهم يصمون قسم من الناس
بأنهم إرهابيون، ومن ثم يستدعون الجماهير للخروج الى الشوارع، وتحريضهم
بشكل فعال ضدهم, وعن طريق وضع الأسس للاستقطاب الاجتماعي الذي سيستمر سنوات عديدة، فانهم يحولون مصر إلى دولة غير قابلة للحكم.
إذا
تمت العملية حسب رؤية الجنرال السيسي، فان مصر لن تدخل ببساطة فترة دموية
جدا، بل ان الانقسامات الاجتماعية ستتكثف إلى النقطة التي ستصبح مصر
فيها بلدا منقسما, ولذلك على الرغم من كل العقبات التي تحول دون ظهور توافق
في الآراء، فإن مصر، مثل تونس، يجب أن تعمل لتحقيق التسوية الاجتماعية،
ومنع أنصار الوضع الراهن، والذين يريدون نسف الربيع العربي، من الوصول إلى
السلطة مرة أخرى.
-----------------
طالع ..المصدر
تعليقات