سوريا .. الهوة بين الاستجابة والحاجة!
ترجمة: حسن شعيب
مع
مرور كل أسبوع على الأزمة في سوريا, يفقد المئات أرواحهم, ويضيق أفق
الخيارات السياسية ويبدو أنّ فرص الاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع سيئة
للغاية, حيث تحول ما كانت بدايته مطالبة بإصلاحات داخلية إلى صراع إقليمي,
المقاتلون الأجانب من جميع نواحي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتدفقون إلى
سوريا للتدريب والقتال, بينما يتدفق اللاجئون بمئات الآلاف إلى لبنان
والأردن والعراق وتركيا.
وبرغم
تطرق الجدل السياسي الغربي بشكل أساسي إلى الخيارات العسكرية وتركيزه
عليها, فما زالت الحجج معقدة ومتوازنة, لكن لا يعتقد أحد وفقًا لأي سيناريو
سوف تنتهي الحرب بسرعة, وبين هذا وذاك, تتسع الفجوة بين الضرورة الإنسانية
وردّ الفعل الدولي يومًا بعد يوم.
داخل
سوريا, خلال حديث لجنة الإغاثة الدولية مع لاجئين قالوا: "إن النقص في
الأدوية والغذاء الذي يُشكّل تهديدًا للحياة أصبح حقيقة ملموسة كل يوم",
كما أشار الأطباء إلى أنّهم تعرضوا للاستهداف, وقتل في الحرب زملائهم
وذويهم, فضلاً عن انتهاك واسع ومرعب لحقوق الإنسان, حتى وصلت النتيجة لأن
يعيش ما يقرب من 7 مليون سوري في ظروف مروعة.
ما
يدنو من مائة ألف شخص داخل سوريا لقوا حتفهم, إلى جانب أعداد لا يمكن
حصرها يموتون نتيجة لنقص المساعدات الطبية, هناك كذلك فإنّ ثلث الشعب
السوري نزح داخل البلاد أو خارجها, حتى وصل عدد اللاجئين في الأردن إلى ما
يزيد عن 10% من سكان البلاد, وفي لبنان أقرب إلى 14%.
نتيجة
لذلك, أصبح الضغط على المجتمعات التي تستضيف اللاجئين كبيرًا, وخلال حواري
مع أربع عائلات يعيشون في شقة من غرفتين يتشاركون فيها تقع في شمال
الأردن, مع وجود حوالي 15 طفلاً, هناك ضغط هائل على الخدمات المحلية, من
تعليم ونظافة, كما تشهد أسعار الإيجار ارتفاعًا كبيرًا من قبل الملاك الذين
يعرفون أنّ هناك مساعدات متوفرة من قبل الأمم المتحدة, ولا يُسمح للأطفال
بالخروج.
وفي
داخل عيادة لجنة الإغاثة الدولية للاجئين السوريين, سمعت أمهات وأرامل
يتحدثون عن مقتل أزواجهم وأبنائهم, حيث قالت عائلة بدوية: "إن رب الأسرة
تعرض لإطلاق النار من قبل قناص بينما كان يقف في طابور الخبز, كما تصاعد
العنف ضد النساء.
بدون
شك, أصبحت هذه الخسائر الإنسانية في الوقت الراهن جزء من الجغرافيا
السياسية وموازين القوة العسكرية, فقد أدى حجم القتل إلى خلق حالة انتقام
طائفية, ليس فقط في سوريا ولكن في لبنان والعراق أيضًا, كما أصبح مستوى
تدفق اللاجئين مصدر لعدم الاستقرار, وهناك المزيد والمزيد من اللاجئين سوف
يستمرون في التدفق, فيما لا يقل عن 250 ألف إلى 300 ألف سوري يعيشون قرب
الحدود الأردنية.
صحيح
أنّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية التزموا بتقديم مساعدات كبيرة, كما
أنّ هناك قسطًا كبيرًا من المال من دول الخليج, السعودية وقطر والإمارات,
لكن الفرق بين المتطلبات والمساعدات شاسع جدًا, ومع ذلك فإن رحلتي إلى
الأردن أقنعتني أن هناك خطوات عملية يمكن أن تؤخذ للانتقال من تلبية
الحاجات الجزئية إلى تلبية حاجات أكبر من ذلك بكثير.
أولا:
ينبغي الضغط على الحكومة في دمشق والمتمردين للتقيد بالأنظمة والقواعد
الدولية لحماية المدنيين في مناطق الحرب, وهذا ما تحدث أوباما عنه في خطاب
ألقاه في جامعة الدفاع الوطني, وينبغي أن تدعم جميع الدول دعوته تلك.
ثانيًا:
هناك مسئولية على كلا الطرفين لتعزيز العبور الحر للمساعدات الإنسانية,
وذلك على طول خطوط التماس ما بين الحكومة ومناطق المتمردين, حيث إن حالة
الانسداد في وصول المساعدات الإنسانية أصبح أمرًا قاسيًا ومكلفًا من حيث
فقدا الأرواح.
ثالثا:
هناك مجال لتقديم لمساعدات عبر الحدود للمناطق المنكوبة من جميع دول
الجوار. السوريون الشجعان يخاطرون بحياتهم وهناك المزيد منهم على استعداد
للقيام بذلك, ولكنهم بحاجة إلى التمويل من أجل توفير الدواء والغذاء.
رابعًا: الدول المجاورة بحاجة إلى المساعدة للتعامل مع تدفق اللاجئين. وهذا استثمار أساسي بالنسبة لهم.
هذه
الإجراءات ليست مخصصة فقط للمانحين والشعوب الغربية فحسب, هناك حاجة لحصول
تغيير أساسي في تعاملنا إذا أردنا وضع حد لهذه المأساة الإنسانية الكبيرة.
هناك ملايين الأرواح معرضة للخطر, كما هو حال قيم ومصالح الغرب أيضًا.
* ديفيد ميليباند : وزير الخارجية البريطاني السابق
--------------------
طالع ...المصدر
تعليقات