روسيا.. عندما تُلهم الطغاة!



ترجمة: حسن شعيب
كل شيء تفعله روسيا, يمكننا القيام به, تلك هي الرسالة التي تبعثها واشنطن إلى الحكومات القمعية والمتعطشة للسلطة حول العالم, مع كل خطوة ينتهجها فلاديمير بوتين لتقييد حريات الشعب الروسي, نجد أنَّ قادة بعض الدول تراقب رد فعل الولايات المتحدة والأوروبيين، الذي يبدو ضعيفًا وغير نافع, يصبحون أكثر جرأة على انتهاك حقوق الإنسان بالطريقة نفسها.
في الواقع, إنَّ الحملة القمعية التي شنتها السلطة في روسيا على حقوق الإنسان تحركها الرغبة في إخماد حركة الاحتجاج التي انطلقت في ديسمبر 2011 عندما نزل مئات الآلاف من الروس إلى الشوارع للتظاهر ضد الانتخابات البرلمانية غير النزيهة والتي شابتها العديد من التجاوزات, كما تضاعفت حِدَّة الاحتجاجات في مارس 2012, عندما غضب الشعب الروسي من الانتخابات المشكوك في نزاهتها, التي أعادت بوتين إلى سدة الحكم من جديد.
استجابة فكانت ردة فعل الحكومة الروسية على التخاذل الأمريكي هو تطوير أساليب قمعية جديدة، أهمها استخدام القانون كسلاح، في محاولة لتكريس سلطة بوتين والبقاء في الحكم مقابل تجاهل أمريكي شبه تام لما يجري في روسيا.
لقد بدأت أساليب روسيا القمعية, بسبب ردود الفعل الأمريكية الضعيفة، تنتقل إلى بلدان أخرى تراقب باهتمام مدى نجاح بوتين في قمع المعارضة والتضييق عليها، حيث بدأ رئيس أذربيجان، إلهام علييف، يستعد لانتخابات شهر أكتوبر المقبلة على أمل تفادي المعارضة التي طاردت بوتين وتجنب الاحتجاجات التي اندلعت ضده، ومع نجاح بوتين فعليًّا في إضعاف المعارضة ينتهج علييف نفس النهج عله ينجح هو الآخر في ضمان ولاية رئاسية جديدة، مستلهمًا ذلك من أسلوب فلاديمير بوتين.
في شهر يوليو الماضي, جرمت الحكومة الروسية تجريم التشهير وإدراجه تحت بند القانون الجنائي، بالمثل, قامت أذربيجان بتوسيع مفهوم السبّ والقذف لتشمل تصريحات الإنترنت ولتدرج ضمن إطار قانون التشهير، والهدف بالطبع هو التضييق على حرية التعبير والحدّ من الحريات العامة.
وبنفس الطريقة, ينظر قادة أوكرانيا إلى ردود أفعال الغرب على ما يجري في روسيا من تجاوزات باهتمام كبير واستنتجوا أنَّ تصرفاتهم لن تحدث مشكلة في الولايات المتحدة، مما شجع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش على المضي قدمًا في خططه لتكريس نفسه في السلطة تمامًا كما فعل بوتين قبل عشر سنوات، بل شرع في اتخاذ خطوات في الاتجاه نفسه على طريقة الرئيس الروسي.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى استمرار اعتقال رئيسة الوزراء السابقة، يوليا تيموشنكو، لأسباب سياسية واضحة، والذي يشبه إلى حد كبير اعتقال الحكومة الروسية لإمبراطور النفط ميخائيل خودوركوفسكي.
ولم يقتصر الأمر في أوكرانيا على التضييق على السياسيين المعارضين والزجّ بهم في السجون، بل امتد أيضًا إلى الحدّ من الحريات الإعلامية، لا سيما بعدما سيطر مساعدو الرئيس على القناة التلفزيونية إنتر، ليتم بعدها تنحية صحفيين مستقلين والاستغناء عن برامج سياسية مهمة كانت تستضيف رموز المعارضة في البلاد، لتستبدل ببرامج لصحفيين تابعين للنظام.
من المؤكد أنَّ المشكلة تكمن في ضعف الردود الغربية عامة والأمريكية خاصة على الهجمة التي تتعرَّض لها الحريات العامة في روسيا والدول القريبة منها، أنَّها بدأت تمتد إلى البلدان البعيدة, فعندما بدأت الحركة الاحتجاجية في روسيا ضد بوتين ونظامه سارع إلى اتهام بلدان أجنبية بدعم المتظاهرين وتأجيج المعارضة، فكان رده طرد منظمات المجتمع المدني الغربية الناشطة في روسيا، بما فيها تلك العاملة في مجال المساعدات الدولية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية, وبعد ذلك بشهور قليلة, قام الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، بنفس الشيء عندما قام بطرد الوكالة نفسها بتهمة التدخل والتآمر على الحكومة.
يبدو أن السوابق التي لا تتعامل معها الولايات المتحدة والأوربيين في روسيا فيما يتعلق بحقوق الإنسان تتجاوز تداعياتها الحدود الروسية، حيث أن تصريحات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المخيبة للآمال فيما يتعلق بالاحتجاز السياسي وتقييد القانون ليست كافية, بل إن الكلمات لا تترجم مطلقا إلى أفعال لها تأثير.
صحيحٌ أن رسالة واشنطن في استهداف الأفراد المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا تعتبر خطوة على الطريق الصحيح، لكن ينبغي القيام بتدابير أكثر صرامة ضد الانزلاق الروسي نحو الاستبداد، وخطر انتقال ذلك إلى بلدان أخرى حول العالم.
---------------------
طالع ...المصدر
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء