البرازيل .. هبوب رياح الثورة
ترجمة: حسن شعيب
"إن
هذا الجيل يشعر بالغضب من حزب العمال (حزب اليسار الذي يحكم البرازيل منذ
عقد من الزمان), بسبب الوعود التي لم يفي بها حتى وقتنا الحالي", هكذا يعلق
جيفري ليسر، أستاذ التاريخ البرازيلي الحديث في جامعة إيموري بالولايات
المتحدة الأمريكية، على الاحتجاجات التي اندلعت في البرازيل.
قبل
أيام معدودة, اندلعت شرارة الاحتجاجات, التي تعتبر الأكبر في البرازيل منذ
عقدين من الزمن, في عدد المدن البرازيلية بعد زيادة تعريفة ركوب الحافلات
ومترو الأنفاق، لكنها سرعان ما انتشرت في البلاد بعد أن أطلقت الشرطة طلقات
مطاطية في ساو باولو أثناء اشتباكات جرح فيها أكثر من مائة شخص، ولا سيما
أن هذا يتزامن مع استضافة بطولة كأس القارات لكرة القدم، كما تأتي على
خلفية تخصيص الحكومة أكثر من 26 مليار دولار من الأموال العامة لإنفاقها
على تنظيم كأس العالم 2014 وأولمبياد 2016.
من
جانبها, دعت رئيسة البرازيل ديلما روسيف إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء
بعد الاحتجاجات التي شهدتها البلاد, بعد نزول أكثر من مليون شخص إلى
الشوارع في 100 مدينة, وبخاصة بعد ظهور عدم استطاعة الحكومة السيطرة على
التخريب والنهب والحرق الذي شمل العديد من المدن الرئيسية, فضلا عن مقتل
اثنين وإصابة 77 على الأقل.
كما
قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على المحتجين, بعدما قام بعضهم بتحطيم محطات
الحافلات وإطلاق الألعاب النارية, فقامت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل
للدموع ورذاذ الفلفل الحار والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي، مما اضطر
الناس إلى الابتعاد عن وسط المدينة.
كما
أشار جيفري ليسر إلى "أنه ينبغي على الرئيسة البرازيلية أن تُقدم التزام
أكثر وضوحا بخصوص التعليم والصحة، مضيفا "إذا كانت روسيف وغيرها من
السياسيين في البرازيل لن يبدءوا على الفور بالتحدث بلغة المتظاهرين، فإننا
سنشهد ظهور شخصيات وحركات سياسية جديدة والتي ستحصل على شعبية كبيرة
للغاية".
المثير
للسخرية في هذه الاحتجاجات ما كانت تفعله الشرطة, حيث كانت تلقي القبض على
كل من يمتلك زجاجة خل, حيث اعتقلت صحفي يدعى بيرو لوكاتيلي, والذي كان
يقوم بتغطية الاحتجاجات التي وقعت في ساوباولو، بعد العثور على زجاجة خل في
الحقيبة التي كان يحملها فوق ظهره, ولم يكن وحده.
وقد
اعتبرت الشرطة حمل زجاجة الخل جريمة بسبب أن التنفس من خلال قناع مغموس في
الخل، يضعف تأثير الغازات المسيلة للدموع, إلا أن رجل الشرطة برر ذلك بأن
الخل يمكن أن يستخدم في صنع قنابل بدائية أيضا.
لقد
كان غضب الناس متفهما بعض الشيء, بعد أن قامت الشرطة بالتعامل مع
الاحتجاجات في ساوباولو وغيرها من المدن بأسلوب قمعي, مما أسفر عن إصابة
100 محتج و15 صحفيا منهم مصور سيفقد بصره على الأرجح بسبب إصابته في عينه
برصاصة مطاطية.
من
المحتمل ألا تبدو الزيادة في تعريفة وسائل النقل ليست ذو بال أو أهمية,
لكنها تعني الكثير بالنسبة لشخص يحصل على الحد الأدنى من الدخل، (300 دولار
أمريكي) خصوصاً إذا عرفنا أن التنقل في مختلف أنحاء مدينة ساوبالو ليس
بالأمر السهل بحال علاوة على تكلفته الكبيرة كنسبة من الدخل الشهري.
علاوة
على ذلك تتميز المدينة باكتظاظ سكانها, حيث تصل أعدادهم إلى 11 مليون،
وتسير في شوارعها 7 ملايين سيارة، مما يجعل السكان يعانون معاناة شديدة
للانتقال من مكان لآخر ويعيشون دائما تحت وطأة التهديد المستمر بزيادة
أسعارها التي تمتص جزءا لا بأس به من دخولهم.
بيد
أن تداعيات الاحتجاجات تعزو إلى أشياء أكبر بكثير من أسعار المواصلات،
بدليل أنها استمرت على الرغم من قيام بلديات عدة مدن بالإعلان عن تخفيض
أسعار المواصلات بها, حيث البرازيليون مهمومون بشدة بشأن مؤامرة الحكومة
لقمع حرياتهم, بالإضافة إلى وحشية الشرطة، والفساد الحكومي، والخدمات
العامة القذرة.
كما
كان المتظاهرون يحتجون على قيام الحكومة الفيدرالية بإنفاق المليارات
لاستضافة كأس العالم عام 2014 ، والأولمبياد الصيفي عام 2016 حيث خصص
للمناسبتين 13.3 مليار، و18 مليار دولار على الترتيب.
لقد
كانت اللافتات معبرة للغاية, حيث تقول أحدهم "إذا سقط ابنك مريضا فخذه إلى
الإستاد" بينما قالت أخرى "أي مدرس جيد وكفؤ أفضل ألف مرة من نيمار (لاعب
كرة برازيلي شهير يتقاضى راتبا خيالياً".
جدير
بالذكر أن معظم المشاركين في التظاهرات كانوا من المراهقين والشباب في
العشرين من أعمارهم, فهل سيرضيهم خطاب روسيف التي أكدت فيه مساندة حكومتها
للتغييرات الاجتماعية والتزامها بسماع صوت الشارع, كما وعدت المحتجين
بصياغة خطة لتحسين وسائل النقل العام واستثمار جميع عائدات الموارد النفطية
للبلاد في التعليم، وأنه ستجري الاستعانة بأطباء من الخارج لتعزيز الخدمات
الصحية.
قد
تكون تصريحات رئيسة البرازيل كفيلة بتراجع حدة الاحتجاجات لكنها قد تخمد
لبعض الوقت فحسب وليس إلى الأبد, إلى بتحقيق مطالب المحتجين والنزول على
رغباتهم, ولها في الربيع العربي أفضل درس على ذلك.
-----------------
طالع ..المصدر
تعليقات