سد إثيوبيا.. خيارات مصرية قليلة!
ترجمة: حسن شعيب
قبل
فترة طويلة من بناء وتشييد الأهرامات التي تعلو وتطل على التربة الخصبة
لهذه البلدة الواقعة على ضفاف النهر، شكر المصريون الله على نعمة المياه
الموحلة للنيل, حيث يقول إبراهيم عبد العزيز، مزارع في الخامسة والأربعين
من عمره "إن المحاصيل والماشية والبشر, بل نحن جميعا نحيا بفضل هذا النهر".
لكن
مع تتبعنا مجرى النهر على طول 1400 ميل في اتجاه المنبع، سنجد مشروع عملاق
قيد الإنشاء ربما يهدد بقلب توازن آلاف السنين من العمر, حيث من المرتقب
هناك، في المرتفعات الإثيوبية، بناء واحد من أكبر سدود العالم.
بالنسبة
لإثيوبيا، يُعتبر هذا السد واعدا من حيث تقديم الطاقة الوفيرة والهرب من
بقعة دائمة على ما يبدو في أدنى درجات مؤشر التنمية البشرية على مستوى
العالم, لكنه بالنسبة لمصر، ستكون العواقب وخيمة, حيث نقص في المياه على
الصعيد الوطني في مدة قصيرة لا تتعدى العامين مما يؤدي إلى تلف المحاصيل،
وانقطاع التيار الكهربائي، واضطرابات وعدم استقرار أكبر من هذه الفتنة غير
العادية التي عرفتها البلاد في الماضي القريب.
لا
شك أن سد أثيوبيا, بالنسبة لدولة تواجه أزمات داخلية يومية في أعقاب ثورة
عام 2011، يمثل تهديد خارجي لا يمكن لمصر تحمل كلفته, وهذه هي النقطة
الرئيسية, حيث يقول المحللون "إن إثيوبيا تغتنم فرصة انشغال مصر وهشاشتها
النسبية للمضي قدما في تنفيذ مخططات ظلت لفترة طويلة مجرد رسومات على ورق
وكانت دوما تحبطها المقاومة المصرية.
أما
المصريون المعتادون على النظر إلى بلدهم كقوة رئيسية في العالم العربي،
فإن فكرة الاستسلام لمنافس أفريقي أضعف تمثل تذكيرا مرا لهم بتراجع قوة
بلدهم وتقلص تأثيره, كما أنه يمثل اختبارا مبكرا لحكومة الرئيس محمد مرسي
التي يبلغ عمرها عاما واحدا.
وفي
ذات السياق, قال طلعت مسلم، لواء متقاعد في الجيش المصري, "إن الخيارات
أصبحت قليلة للغاية في الوقت الراهن, فالدبلوماسية هي الخيار الأول، لكن
نفوذ مصر اليوم تضائل، على حد قوله، وإذا فشلت المفاوضات فإن القادة
العسكريين المصريين قد يقررون الموت في المعركة أفضل من الموت عطشا".
في
الواقع, أصبح احتمال اندلاع حرب مياه سمة منتظمة في نشرات الأخبار المصرية
والصفحات الأولى للجرائد خلال الأسابيع الأخيرة، منذ أن أعلنت إثيوبيا عن
اعتزامها تحويل مجرى النهر بشكل فوري بعد اجتماع بين رئيس الوزراء الإثيوبي
هيلى ماريام ديسالين ومرسي في أواخر مايو الماضي.
بينما
نظر إلى هذا الإعلان، الذي شكل محطة بارزة في تقدم السد، باعتباره صفعة
مذلة ومؤشرا على أن إثيوبيا لا نية لديها في التفاوض حول بناء السد.
صحيحٌ
أن مرسي لم يكشف الكثير عما يعتزم القيام به، لكنه حذّر في خطاب ألقاه
مؤخرا أن كل الخيارات تظل مطروحة من أجل حماية النهر الذي يُوفر 95 في
المائة من احتياجات مصر المائية, حيث قال أمام حشد من المصريين "إن البلد
مستعد للتضحية بالدماء من أجل ضمان عدم فقدان ولو قطرة واحدة من النيل".
وخلال
مقابلة مع وسائل الإعلام التابعة لإثيوبيا, قال هيلى ماريام "إن ذلك تصعيد
وجنوح إلى الحرب، الهدف منه صرف الانتباه عن مشاكل مصر الداخلية", مشيرا
إلى أنه لا يعتقد أنهم سيقدمون على ذلك الاختيار، اللهم إلا إذا أصيبوا
بالجنون" وفي اليوم نفسه، قال وزير الخارجية الإثيوبي في بيان، "إن بلاده
لن توقف بناء السد ولو لثانية واحدة".
من
المؤكد أن هذا التوتر يعكس الأهمية القصوى للسيطرة على الموارد المائية
للمنطقة، في وقت يتميز بتزايد سكاني سريع, ذلك أن عدد السكان في كل من مصر
وإثيوبيا يبلغ أكثر من 80 مليون نسمة، وهو ضعف عدد السكان الذين كانوا
موجودين قبل 30 عاما, وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يزداد عدد سكان
البلدين معاً بـ100 مليون نسمة، حتى في وقت يمكن أن يؤدي فيه تغير المناخ
إلى تقلص الإمدادات المائية.
برغم
هذا, تؤكد إثيوبيا كثيرا على أن سد النهضة الكبرى لن يتسبب في مشاكل لمصر،
حيث يقول المسئولون الإثيوبيون "إن السد سيتم استغلاله من أجل إنتاج
الطاقة الكهربائية، وليس لري الزروع, مما يعني أن كل المياه ستأخذ مجراها
نحو المصب في مصر".
بيد
أن المصريون، الذين لم يهدئ روعهم الوعود الإثيوبية، أصبحوا مذعورين على
نحو متزايد, بسبب ما قاله وزير الري والموارد المائية المصري السابق محمد
نصر علام, حيث يقول "إنه إذا مضت إثيوبيا قدما في تنفيذ مخططاتها لبناء
السد على النيل الأزرق، والذي يشكل معظم مياه النيل بعد أن يلتقي مع النيل
الأبيض في السودان، فإن مصر يمكن أن تخسر ربع مياهها", مضيفا "إن ذلك سيمثل
كارثة بالنسبة لمصر، حيث أن مناطق زراعية واسعة في البلاد ستتوقف عن
الإنتاج".
ويرى
الخبراء أن أكبر خطر بالنسبة لمصر سيكون عندما تقوم إثيوبيا بملء الخزان
الضخم وراء سدها، وهي عملية يمكن أن تبدأ في عام 2015 وتدوم لفترة ستة
أعوام, غير أنه حتى بعد ذلك، فإن إنشاء السد سيعني أن مصر لم تعد لديها
سيطرة مباشرة على موردها المائي الرئيسي، وهو ما يشكل احتمالا يبعث على
القلق بالنسبة لبلد يعرف تساقطات مطرية متواضعة ويُعتبر أكبر واحة في
العالم.
وقال
علام إن على مصر أن تسعى إلى إقناع إثيوبيا بخفض ارتفاع السد البالغ 550
قدماً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفف من تأثير بنائه, كما أشار علام, في
نهاية المطاف، إل أهمية استدعاء بعض القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة،
من أجل المساعدة على التوسط وحل هذا الخلاف.
من
جانبها, قالت وزارة الخارجية الأمريكية "إن مصر و إثيوبيا، وكلاهما حلفاء
الولايات المتحدة، وينبغي حل النزاع من خلال الحوار, ولكن من الواضح أن هذا
الحوار سيأتي في وقت تبدو فيه نفوذ أثيوبيا في تصاعد وتتضاءل قوة مصر.
كما
قال هاني رسلان، الذي يرأس حوض قسم الدراسات النيل في وسط القاهرة الأهرام
للدراسات السياسية والإستراتيجية، "ليس من قبيل المصادفة أن تعلن إثيوبيا
عن خطط لتوسيع نطاق واسع السد والمضي قدما في بنائه بعد أسابيع فقط من
الإطاحة بالنظام السابق", مشير إلى "أن اثيوبيا لديها طموحات لتكون قوة
إقليمية على حساب مصر, لذلك استغلت عدم الاستقرار بعد الثورة".
---------------------
طالع .. المصدر
تعليقات