التقشف الأوربي .. جدل لا ينتهي!
ترجمة: حسن شعيب
عندما
اُكتشفت عدة أخطاء, في أبريل الماضي, في دراسة أكاديمية شهيرة تتعلق
بتأثير الدين الحكومي على النمو الاقتصادي، مما أدى إلى إعادة تأجيج
الحوارات والنقاش حول التقشف في أوروبا, حيث أكد معارضو تخفيض الميزانية
أثناء الركود الذي تعاني منه القارة أن تلك الأخطاء تعد برهانا على أن
السياسات الخاطئة أدت إلى تفاقم سوء الأوضاع عوضا عن المساعدة في تحسينها.
يشار
أن الدراسة التي نُشرت عام 2010 بواسطة كينيث روجوف وكارمن راينهارت,
أستاذا الاقتصاد في جامعة هارفارد، تعتبر أحد الأدلة الرئيسية التي يستعين
بها مؤيدو التقشف على صحة رؤيتهم، حيث توصلت الدراسة إلى أن معدلات الدين
للناتج المحلي الإجمالي التي تزيد عن 90 بالمائة ترتبط في كثير من الأحيان
بهبوط ملحوظ في النمو الاقتصادي.
ونتيجة
لذلك, من الطبيعي أن تستخدم تلك الورقة بشكل متكرر من قبل كبار المدافعين
عن إجراءات التقشف في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، وشمل
ذلك المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس بول رايان، ومفوض الاتحاد الأوروبي
للشؤون الاقتصادية أولي رين.
بيد
أن ما حدث الشهر الماضي جعل الأمور تنقلب رأسا على عقب, حيث نشر باحثين من
جامعة "ماساشوسيتس- أمهيرست", دراسة انتقدوا فيها تقرير روجوف- راينهارت،
وقالوا أن تلك الدراسة قد استبعدت على سبيل الخطأ صفا من البيانات من
حساباتها، وأزالت بيانات أخرى، واستخدمت وسائل غير تقليدية لاستخراج
المتوسطات.
وحسب
الباحثون, عندما تتم معالجة تلك الأخطاء فإن الـ90 بالمائة المتمثلة في
النسبة بين الدين والناتج المحلي الإجمالي، التي بدت كما لو أنها هي السبب
في الهبوط الملحوظ في النشاط الاقتصادي، ستتلاشى, بدليل أن هناك بلادا كانت
قادرة على تحقيق نمو اقتصادي حتى مع معاناتها من نسبة دين حكومي مرتفعه
حتى بافتراض أن ذلك النمو كان أقل من مثيله في الدول المنخفضة الدين.
وبرغم
أن روجوف وراينهارت عارضا النتائج التي توصل إليها الباحثون وإن كانا قد
وافقا على بعض ما تضمنه نقدهم فإن ذلك النقد أدى إلى إطلاق شرارة سجال جديد
حول دور التقشف في حل المشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا.
حتى
الآن على الأقل, لم يكن لاكتشاف خطأ الدراسة تأثير على سياسة الاتحاد
الأوروبي، وهو ما يعود إلى حقيقة أن الاتحاد الأوروبي كان قد بدأ بالفعل
يفقد سيطرته على زمام الأمور, من خلال قيامه على سبيل المثال بالسماح لعدة
دول بالتغاضي عن أهداف تخفيض العجز الخاص بها، في إطار محاولتها لإحياء
النمو الاقتصادي.
في
هذا السياق, يذكر أنه قد جرى في البداية السعي لتحقيق الهدف الخاص بتخفيف
التقشف بسبب الأحوال الاقتصادية المتفاقمة في الدول المتأثرة بهذه الأزمة،
ولكن كانت هناك عدة دراسات علمية، منها الدراسة التي انتقدت ورقة روجوف-
راينهارت، كان لها على الأرجح دور في تسريع عملية تغيير السياسة المتبعة.
ولكن
على ما يبدو أن جدال روجوف- راينهارت قد غذى الثقة المتنامية بين صناع
السياسة في دول الاتحاد الأوروبي، بشأن جدوى علم الاقتصاد.
من
جانبه قال مسئول في الحكومة الألمانية, رفض الإفصاح عن هويته، "لقد كانت
هناك زيادة ملحوظة في مقدار الشك في جدوى علم الاقتصاد كعلم صلب، وها نحن
نرى الآن أن العديد من الحكومات قد بات أكثر بعدا عن أخذ النتائج التي
تتوصل إليها الدراسات الاقتصادية كما تبدو على السطح", مضيفا "لكي نعتمد
على سياسات في الوقت الراهن، فإننا بحاجة إلى فطنة وذاكرة طويلة المدى".
كما
أن فقدان الثقة في علم الاقتصاد وما تعنيه أرقامه، يظهر كذلك من خلال
حقيقة أن هناك قدرا كبيرا من عدم الاتفاق في الوقت الراهن بين السياسيين
الأوروبيين بشأن مدى نجاح سياسات التقشف حتى الآن.
على
سبيل المثال, يقول مسئول ألماني "إن الإصلاحات التي تمت في الدول
الأوروبية المتنامية في الأطراف تحقق المراد فيها, كما يدل على ذلك انخفاض
تكلفة العمل والزيادة في معدلات الصادرات بتلك الدول, إلا أن آخرون من صناع
السياسة يختلفون مع هذا الطرح, ومنهم كلودو مورجانتي العضو الإيطالي في
البرلمان الأوروبي الذي يقول "أنت لا تحتاج إلى أن تكون خبيرا كي تدرك أنه
كانت هناك في معظم الدول زيادات ضريبية بينما كانت الإصلاحات الفعلية
محدودة للغاية".
أما
سامبو تيرهو, العضو الفنلندي في البرلمان الأوروبي فيقول "إن الحكومات
والضرائب العالية ليست الحل وإنما نحتاج إلى المزيد من التنافسية والمزيد
من المشروعات الصغيرة، وهذه مشكلة شمال أوروبا وجنوب أوروبا على حد سواء".
يُشار
في هذا الصدد إلى أن بيانات نيو يوروستات المنشورة في موعد سابق من هذا
الأسبوع تشير إلى أن التعافي ما زال بعيدا, حيث وجد مكتب الإحصائيات التابع
للاتحاد الأوروبي أن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو قد هبط بنسبة
0.2 في الربع الأول من عام 2013.
--------------
طالع.. المصدر
تعليقات