"الاختفاء القسري" في سوريا.. أرقام مخيفة!
ترجمة: حسن شعيب
بعد
منتصف الليل, ظهر حوالي 30 مخبرا وحطموا أبواب الشقة الواقعة في بلدة
داريا قرب العاصمة دمشق, حيث اقتادوا معهم طالبا جامعيا يبلغ من العمر 24
عاما ومضوا في في سبيلهم.
كان
هذا قبل عام, وحتى هذه اللحظة لم يسمع أحد بهذا الشاب, الذي كان يقدم
المساعدات للسوريين الذين مزقتهم الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد, بينما
عملت أسرته من خلال معتقلين سابقين أن المطاف انتهى بابنهم في أحد معتقلات
التعذيب التابعة لنظام الأسد, لكنهم لا يعرفون هل ما زال على قيد الحياة أم
لا.
مضى
ما يزيد عن عامين على الأحداث في سوريا, وقد أصبحت هذه القصص المرعبة
مألوفة لدى السوريين, حيث يقوم عملاء المخابرات بتوقيف الناس في البيوت
والمكاتب ونقاط التفتيش, وعادة ما يكونون من المعارضين السلميين للنظام
ومنهم محامين وأطباء وموظفو إغاثة.
من
جانبهم, يقول مراقبو حقوق الإنسان السوريون أن عدد الذين اختفوا دون أن
يظهر لهم أي أثر وصل عددهم إلى الآلاف حتى الآن, وبالمقارنة, فإن الأرقام
الرسمية للذين اختفوا في حرب الأرجنتين القذرة التي جرت في السبعينات
والثمانينات بلغ حوالي 13000, بينما يقول الناشطون الحقوقيون إن العدد ضعف
ذلك.
أما
الحكومة فترفض الاعتراف بالمعتقلين أو تقديم المعلومات حولهم في مثل حالات
"الاختفاء القسري", لكي يتمكنوا من التخلص من المعارضين وإرهاب باقي الناس
لحملهم على الخضوع, حيث يقول أنور البني, محامي مخضرم وناشط في مجال حقوق
الإنسان في دمشق "إنه إرهاب المجتمع من أجل القضاء على الثورة, كما إن
النظام يُركز على اعتقال الناشطين السلميين من أجل تحويل الثورة إلى صراع
مسلح تام".
من
جهة أخرى, قالت منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إنهما تعتقدان أن
غالبية المعتقلين في سوريا يخضعون لظروف الاختفاء القسري, وتقدر أعدادهم
بعشرات الآلاف من السوريين في المعتقلات ولكنها لا تملك أرقاما دقيقة, كما
يظهر تفاوت الأرقام صعوبة جمع المعلومات في وقت الفوضى.
في
تقرير أعد هذا العام, قالت الأمم المتحدة عندما سُئلت الحكومة السورية عن
حالات الاختفاء القسري, أجابت أنه "لا توجد مثل هذه الحالات في سوريا", لكن
القصص التي قدمتها مجموعات حقوق الإنسان على لسان أقارب وأصدقاء خمسة من
المفقودين مختلفة تماما, حيث تشير إلى اعتقالات تعسفية وإلى معتقلين يقبعون
في زنزانات انفرادية تحت الأرض تزدحم بأولئك الذين ينامون واقفين وعن
حالات التعذيب حتى الموت.
تسيطر
حالة من عدم اليقين على العائلات, حيث أضافت سيدة في مقابلة هاتفية من
المنفى :"إنه تعذيب نفسي لكل فرد في الأسرة, فلا أخبار عنهم, أحدهم يقول
إنه ميت وآخر يقول إنه لا زال على قيد الحياة".
في
مدينة بانياس على الساحل السوري المطل على البحر الأبيض المتوسط, تعيش
عائلة زيوني في حالة صعبة منذ عامين, حيث أخبر في مايو 2011, بعد ثلاثة
أشهر على بداية الثورة السورية السلمية, عن الإخوة غسان وبشار ومحمد زيوني
لمكتب الاستخبارات العسكرية المحلي بأنهم انضموا إلى المتظاهرين, ولكنهم
أملوا في أن الاستفادة من العفو الذي قدمه الأسد في ذلك الوقت.
وبدلا
من استجوابهم لفترة قصيرة وإخلاء سبيلهم, اختفوا, ومنذ ذلك الحين, تناشد
العائلة المنظمات الدولية تقديم المساعدة وتقوم بتقديم الرشى عبثا
للمسئولين ليعطوهم بعض المعلومات عن أبنائهم, لكن دون جدوى.
في
دمشق, قال البني, "أعرف المئات ممن اختفوا, بعضهم اختفى لأسابيع وبعضهم
لشهور وآخرون لا زال مصيرهم مجهول", مضيفا "اعتقلت قوات الأمن زميلنا
والناشط في مجال حقوق الإنسان خليل معتوق من مكتبه, والذي يعاني من مرض في
الرئة اختفى منذ ذلك الحين.
كما
تقول لمى الفقيه, الباحثة المختصة في سوريا في هيومان رايتس ووتش, "لم
تفصح الحكومة السورية عن عدد الأشخاص الذين اعتقلتهم منذ مارس 2011, أولئك
المعتقلون غير المعترف بهم أكثر عرضة للتعذيب من أولئك المعترف بهم من قبل
الدولة", فقد قدمت المنظمة العام الماضي تفصيلات عن 27 مركز تعذيب تديرها
أجهزة الأمن في أنحاء سوريا, والتي تتضمن ضرب المعتقل بالكابلات والعصي,
وقلع أظافرهم وربطهم على ألواح بأوضاع مؤلمة أو تعليقهم في السقف من
معاصمهم بحيث لا تلامس أصابع أقدامهم الأرض.
كما
أضاف البني "حتى بعض من يلقوا حتفهم من هذه الحالات, لا تعلم عنهم أسرهم
شيئا, منهم الناشط الحقوقي محمد السقال الذي اعتقل في 9 أكتوبر, ولم تعلم
زوجته إلا قبل شهر أنه وأخوه إياد قتلا", مشيرا إلى أنهم "قاموا بتسليم
الهويات والمتعلقات الشخصية للعائلة, ولكنهم لم يسلموا الجثث ولم يخبروهم
عن مكان دفنهم".
يبدو
أن الإطار الكامل لحالات الاختفاء القسري في سوريا قد لا يُعرف أبدا, حيث
أن الأرقام في بعض الدول لا تزال قيد النقاش بعد عقود على نهاية الصراعات,
بينما تضغط للجنة التابعة للأمم المتحدة على الحكومات لتقديم المعلومات, لا
زال لديها ما يقرب من 43000 حالة اختفاء مفتوحة تابعة ل 84 دولة, أكثر من
ثلثها في العراق.
بيد
أن هذه الأرقام لا تمثل سوى شريحة بسيطة للأعداد الحقيقة لحالات الاختفاء,
كما يقول رئيس اللجنة الأممية أوليفي دي فروفايل, أستاذ في القانون الدولي
مقيم في باريس, "إن لدى اللجنة معايير صارمة للحالات التي توافق على
متابعتها, حيث أن أقرباء الشخص المختفي قد يخشون من الضغط عليهم للحصول على
المعلومات أو أنهم لا يعرفون ما هي الخيارات المتاحة أمامهم".
--------------
طالع.. المصدر
تعليقات