مرسيليا.. جريمة وقودها الفقر والعنصرية
ترجمة: حسن شعيب
"إنَّها
مدينة المجانين. إذا كان في استطاعة فتى عمره 16 عامًا استعمالُ سلاح
كلاشنيكوف- فهذا يعني أنَّه لم يعش طفولته أبدًا، إنَّ والديه لم يعانقاه
أبدًا...". وصفٌ مبسط لرجل عجوز من سكان مدينة مرسيليا، يصف فيها حال
الجريمة وانتشارها في المدينة.
بشكل
كبير ومخيف تزايدت معدلات الجريمة المنظمة في مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في
فرنسا؛ حيث تشهد مدينة مرسيليا رواجًا لتجارة المخدِّرات، والسلاح، وعنف
العصابات, وخرجت الأمور عن نطاق السيطرة, حتى دعت مسئولة محلية سياسية إلى
ضرورة تدخُّل الجيش لاستعادة النظام، وهذا ما رآه البعض مبالغًا فيه،
لكنَّه جذب أنظار وسائل الإعلام إلى معاناة المدينة وسكانها مع زعماء
العصابات والجريمة.
وأمام
حجم العنف المتصاعد وضعت الحكومة الفرنسية الجديدة خُطَّة طموحة لمساعدة
مرسيليا, المدينة المطلَّة على سواحل جنوب شرقي فرنسا، يبلغ عدد سكانها 800
ألف نسمة, والمنطقة المحيطة بها، بعد أنْ قتل فيها 20 شخصًا خلال تسعة
أشهر فقط، إلى جانب سرقة 840 سلسلة ذهبية من على عنق مرتديها منذ يونيو,
حتى وصفها وزير الداخلية، مانويل فالس، بأنَّها "تمر بمحنة كبيرة"؛ لذا
صارت المدينة على رأس أولويات الحكومة الفرنسية.
من جانبه، حاول
كريم بايلا, مراسل تلفزيوني، والذي أمضى شهرين في مرسيليا لصناعة فيلم
وثائقي عن مشاكل المدينة؛ حيث يقول: "أردتُ أنْ أفهم ما هي جذور العنف
المتفشي في المدينة؟", مُركِّزًا على مشكلة إهمال الأحداث الهائلة, كما
يعتقد أنَّ المشكلة تبدأ في المشاريع الإسكانية المعزولة في الجهة الشمالية
للمدينة.
يوضح
بايلا قائلًا: "إنَّ الفقر والتمييز والفصل العنصري ينتشر هناك؛ حيث يعيش
الناس في جيتو شاهقة", مضيفًا "أنَّهم يتغلبون على البطالة والبؤس المنتشر
بأشياء توازيه؛ حيث صارت المخدِّرات والعصابات هناك قانونًا، وأصبحت هذه
المناطق محظورة على الشرطة".
ويشير
بايلا إلى أنَّ العصابات تنقل الماريجوانا والكوكايين والهيروين وحبوب
الهلوسة؛ لذا فإنَّ تهريب المخدرات يمكن أنْ يكسبوا من ورائه 40 ألف دولار
إلى 100 ألف دولار شهريًّا, معتمدين على العنف وجرائم القتل من أجل ترويع
الآخرين، ومعظمهم من الذين أفلتوا من العقاب، ونموذجهم "أل باتشينو" وينتهي
بهم الحال في السجن أو موتى قبل بلوغهم 30 عامًا.
أمَّا
صيدا حدري, التي تدير مؤسسة داعمة للأمهات، التي تعيش في هذه المناطق
فتقول: "إنَّ البطالة ارتفعت في حيها إلى 50 بالمائة"، مشيرة إلى "أنَّ
الأطفال يتركون المدارس لكي يعملوا لكنْ لا توجد وظائف؛ لذلك يقعون فريسة
في شِراك عصابات المخدِّرات؛ كي يتمكنوا من الحصول على الأموال"، لكنها
استدركت قائلة: "مؤخرًا إذا ما أرادوا ترك هذا العمل يُقتلون لأنَّهم
يعرفون شبكة العصابة".
كما سلطت جريدة "نيويورك تايمز"
الأمريكية الضوءَ على انتشار الجريمة في مرسيليا وجلبهم للأسلحة قائلة:
"على عكس الولايات المتحدة يوجد في أوربا قيود تنظيمية مشددة على الأسلحة،
غير أنَّ هذه العصابات تسلِّح نفسها بأسلحة يحصلون عليها من السوق السوداء؛
حيث قال جان لوي مارتيني، المتحدث المحلي باسم واحد من الاتحادات الشرطية
الكبرى في فرنسا: "نحن نواجه مواقف غير إنسانية؛ لقد أصبح الأمر مخيفًا؛
لأنَّه لا توجد أي حدود".
وأضافت
الصحيفة الأمريكية: "برغم أنَّ مرسيليا ثاني أكبر مدن فرنسا لكنها كذلك
تُعدُّ واحدة من أفقر مدنها؛ لذا فهي تعتبر مأوى للعصابات في تجارة البِغاء
بدايةً، وتجارة المخدِّرات, فضلًا عن شهرتها بالتهريب والفساد السياسي,
إلَّا أنَّ الخبراء وضباط الشرطة يقولون: إنَّ عدد جرائم القتل صارت أكثر
عنفًا بكثير عن العام الماضي، وأكثر ما يقلق ضباط الشرطة والأهالي هو تزايد
استعمال البنادق الآلية ونصف الآلية.
وبرغم
انتشار الجريمة وعنف العصابات في المدينة لازال للمدينة وجهٌ آخر وهو
شهرتها بالجمال والثقافة؛ حيث إنَّها أقدم مدينة فرنسية، تأسست قبل 2500
عام, كما اختيرت كعاصمة أوروبا للثقافة, إلَّا أنَّ النائبة الاشتراكية,
سامية غالي, التي دعتْ لتدخل الجيش, والتي ولدتْ وترعرعت في مرسيليا تقول:
"هذه هي المشكلة أنَّ تقسم المدينة إلى قسمين يفصلهما خط قد يكون فصلًا
عنصريًّا فيما بينهما".
وأوضحت
غالي قائلة: "إنَّ الأمر يصبح أسوأ وأسوأ، بل وصار عنيفًا للغاية, وهذا ما
جعلني أدعو لضرورة تدخل الجيش"؛ حتى صارت المدينة على رأس أولويات الحكومة
بسبب صرخة "غالي" القوية ودعوتها الجريئة, مؤكدةً أنَّ الدولة تخلت عن
الدائرتين الشماليتين اللتين تمثلهما في البرلمان، وتركتهما في قبضة
العصابات وتجار المخدرات. عززت المحنة الاقتصادية- التي تمر بها أوروبا- من
هذه الظاهرة؛ حيث ذكرت غالي في حوار أُجرِي معها: "الآن هناك بطالة أكبر،
ولا توجد وظائف مؤقتة".
خلال
جولته في شمال مرسيليا, يقول كامل بيسا, ضابط شرطة: إنَّه توجد قصة رعب عن
كل مشروع سكني هناك, مضيفًا: "قد تكون وعود الحكومة لزيادة أعداد رجال
الشرطة في المنطقة بدايةً حقيقة وجيدة في المدينة التي تعاني من نقص
التمويل، والانعزال، والفوضى".
جدير
بالذكر، أنَّ رئيس الكومة الفرنسية, جان مارك أيرولت, قام بزيارة مرسيليا
في الآونة الأخيرة؛ لمناقشة الوضع الأمني بها، والحث على ضرورة وضع حد لما
سماه "جمود" المدينة في الأزمة الاقتصادية، وقد أعلن خطة تهدف إلى زيادة
عدد ضباط الشرطة في الأحياء المتأثرة بالجريمة والتهريب، كما تتضمن هذه
الخطة مبادرات بعيدة المدى لتخفيف وطأة الفقر.
-------------------
تعليقات