الديمقراطية على الطريقة السلفية... "العـودة" نموذجًا!
ترجمة: حسن شعيب
حتى الآن يبدو الإخوان المسلمون أبرز الفائزين سياسيًّا من الانتفاضات الشعبية التي انتشرت في العالم العربي؛ حيث فازت الأحزاب السياسية التابعة لها في مصر وتونس، بالسلطة والحكم من خلال انتخابات ديمقراطية, بيد أنَّه ليست جماعة الإخوان فقط الحركة الإسلامية الوحيدة التي تخلط بين الإيمان والسياسة في الشرق الأوسط الجديد، ولكنْ هناك السلفيون "المحافظون المتشددون الذين يقتدون في حياتهم بالنبي محمد- صلى الله عليه وسلم- والأجيال الثلاثة الأولى من قادة المسلمين بعد وفاته"، الذين وضعوا- جانبًا- سنواتٍ من المعارضة العقائدية للديمقراطية والمشاركة في اللعبة السياسية.
حتى الآن يبدو الإخوان المسلمون أبرز الفائزين سياسيًّا من الانتفاضات الشعبية التي انتشرت في العالم العربي؛ حيث فازت الأحزاب السياسية التابعة لها في مصر وتونس، بالسلطة والحكم من خلال انتخابات ديمقراطية, بيد أنَّه ليست جماعة الإخوان فقط الحركة الإسلامية الوحيدة التي تخلط بين الإيمان والسياسة في الشرق الأوسط الجديد، ولكنْ هناك السلفيون "المحافظون المتشددون الذين يقتدون في حياتهم بالنبي محمد- صلى الله عليه وسلم- والأجيال الثلاثة الأولى من قادة المسلمين بعد وفاته"، الذين وضعوا- جانبًا- سنواتٍ من المعارضة العقائدية للديمقراطية والمشاركة في اللعبة السياسية.
ويُعزَى
هذا التغيير في الموقف السلفي إلى ما كتبه الدكتور "سلمان العودة", بما له
من ثقل سلفي في السعودية, هذا الأسبوع من "تغريدات" على تويتر أو صفحة
الفيسبوك؛ حيث كتب قائلًا:
"قد لا تكون الديمقراطية النظامَ المثالي لكنها الأقل ضررًا, ويمكن تطويره وتكييفه لتلبية الاحتياجات والظروف المحلية".
بالرغم
من أنَّ الشيخ العودة أبرزَ إعلانه على شبكة التواصل الاجتماعي باللغة
الإنجليزية وليست العربية؛ حيث يكون جمهوره بالملايين بدلًا من عشرات
الآلاف, فقد كان له شعورًا إيجابيًّا؛ حيث يقول رئيس الوزراء البريطاني
الشهير ونستون تشرتشل:
"إنَّ الديمقراطية أسوأ أشكال الحكم باستثناء كل الأنظمة الأخرى التي جُربت من حين لآخر".
ليس
ثمة شك أنَّ إعلان "العودة" هامٌّ بسبب تاريخه وشعبيته داخل الوسط السلفي؛
حيث إنَّه أحد أبرز قادة "حركة الصحوة" الرئيسين في المملكة العربية
السعودية، الذين ناطحوا آل سعود، وكان أبرزها خلال حرب الخليج في أوائل
التسعينيات, وخلال تلك السنوات وقَّع علماء الدين البارزون والناشطون على
عريضتين تعاتب العائلة المالكة السعودية؛ لاعتمادها على الولايات المتحدة،
داعيةً لإنشاء مجلس شورى "استشاري" الذي من شأنه أنْ يمنح سلطةً أكبر
للمؤسسة الدينية لتحديد ما إذا كانت التشريعات تتماشى حقًّا مع الشريعة
الإسلامية؟
من
جانبهم، نظر آل سعود إلى هذه الرسائل باعتبارها تهديدًا مباشرًا لنفوذهم،
ومن ثَمَّ ألقت القبض على "العودة" وآخرين من الشخصيات البارزة في حركة
الصحوة عام 1994م, ولم يتم الإفراج عنهم حتى عام 1999م, وعلى الرغم من أنَّ
العودة لم يكن مجاهرًا في انتقاداته للنظام منذ الإفراج عنه, ولم يكن كذلك
جزءًا من المؤسسة الدينية الرسمية، وحظي بقدرٍ من الاستقلالية في أعماله،
والتي منحته القدرة على الحفاظ على عدد كبير من أتباعه لأنهم لا ينظرون
إليه على أنَّه تابع للحكومة.
من
بين هؤلاء, كان أسامة بن لادن، أحد الشباب السعوديين الذين تأثروا للغاية
من موقفه ضد النظام السعودي في أوائل التسعينيات, كما كان ينظر إليه رئيس
تنظيم القاعدة باعتباره معلمه الفكري.
في
الواقع لم يبرز إعجاب زعيم القاعدة تأثير "العودة" بين التيار الرئيس
للسلفيين فحسب, ولكن داخل بعض الأجنحة الأكثر راديكالية في الحركة, بيد
أن "العودة"- نفسه- لم يكن من المتعاطفين مع القاعدة؛ حيث قام بتوبيخ بن
لادن عام 2007م خلال شهر رمضان قائلًا:
"أخي
أسامة, كم أُريقت من الدماء؟ كم قُتل من الأبرياء والأطفال والشيوخ
والنساء, باسم تنظيم القاعدة؟ هل ستكون مسرورًا بلقاء ربك سبحانه وتعالى
وأنت تحمل أعباء مئات الآلاف أو الملايين من الضحايا على ظهرك؟".
قبل
الثورات العربية كانت الغالبية العظمى من السلفيين ينظرون إلى الديمقراطية
باعتبارها مخالفة للإسلام, ويعتمد جوهر حجة السلفيين على أنَّ انتخاب
مشرِّعين وإصدار قوانين تنتهك سيادة الله الخالق، فهو صاحب السيادة وحده في
الكون؛ ولذلك فإنَّه من خلال إقامة سيادة للديمقراطية تصبح منازعة لله في
التشريع، وليس هناك معبود بحق سوى الله تعالى.
ومع ذلك، فإنَّ الأحزاب السلفية المتنامية في منطقة الشرق الأوسط يظهر أنَّ التحول الهائل يبتعد تدريجيًّا عن هذا الموقف العقائدي.
لكنَّ
تصريحات "العودة" تعتبر اعترافًا بالمشهد السياسي المتغير في الشرق
الأوسط, بينما تبدو قائمة الأحزاب السلفية القانونية في الدول العربية التي
تشارك في عملية الانتقال إلى الديمقراطية- في ازدياد مستمر؛ حيث يوجد في
مصر ثلاثة أحزاب سلفية، حصلت معًا على نحو 25 في المائة من المقاعد في
البرلمان، في حين أنَّ ليبيا وتونس واليمن يوجد حزب سلفي واحد في كل منهم,
وبعد أنْ تصبح هذه الأحزاب سريعًا لاعبين مقبولين في اللعبة السياسية يمكن
أنْ نرى هذه الحقبة الجديدة من انتشار الحركات السياسية التي وضعها
السلفيون غير المُسَيَّسِين سابقًا.
جدير
بالذكر أنَّ تعليقات "العودة" يتردد صداها في بلدان أخرى لاتزال تعيش تحت
نير الحكام المستبدين مقارنةً بتلك التي تمر بمرحلة تحول سياسي, وإذا كان
"العودة" أكثر صراحة في الأشهر والأعوام القادمة- ولاسيما باللغة العربية-
فإنَّه يمكنه بذلك إعادة تنشيط محاولات الإصلاح الفاشلة في الماضي، أو قد
يؤدي إلى الإطاحة بآل سعود.
ومما
لاشك فيه أنَّ الديمقراطية طرحت سؤالًا صعبًا على السلفيين: هل سيحافظون
على نقاء مذهبهم أم سيحاولون التأثير على مستقبلهم؟ وهو الطريق الذي كان
مغلقًا أمامهم في ظل أنظمة استبدادية.
من الواضح أنَّ بعض السلفيين كانت لديهم البصيرة التي جعلتهم يرون ضرورة الانضمام للعملية الديمقراطية.
بطبيعة
الحال, لا تعني المشاركة في العملية الديمقراطية أنْ تكون ليبراليًّا,
ولازالت هناك تساؤلات هامة قائمة حول تحول الجماعات السلفية إلى
الديمقراطية:
هل هو تحول براجماتي أو أنَّه التزام حقيقي أيديولوجي بمبادئ الديمقراطية؟
وهل
الانضمام إلى العملية الديمقراطية يجعل هذه الأحزاب تحرريًّا أكثر حتى
توفر المزيد من المنافسة في العملية الانتخابية، أو أنها سوف تعتمد على
الحشد الشعبي بين الأحزاب الإسلامية لإثبات أنَّها إرادة الله؟
ولكنْ
ما زال من المبكر للغاية تقديم الأجوبة على هذه الأسئلة بشكل أو بآخر,
ولكنَّ نتيجة مشاركة السلفيين في اللعبة السياسية سوف تختلف- على الأرجح-
في كل دولة متوقفًا على السياق المحلي.
كما
أنَّ مشاركة السلفيين في اللعبة السياسية تثير كذلك اعتبارات سياسية مهمة
في الولايات المتحدة لابد أنْ توضع في الاعتبار, صحيحٌ أنَّ حكومة الولايات
المتحدة- والغرب بشكل عام- لديها نقاط قليلة من اتفاق أيديولوجي مع هذه
الحركات السلفية؛ على سبيل المثال، فإنَّ جميع الأحزاب السلفية ترغب في
إلغاء المصارف القائمة على الفوائد، والتي يعتبرونها حرامًا، فضلًا عن
آرائهم الضيقة للغاية عن حقوق الأقليات والنساء- إلا أنَّ مشاركتهم في
العملية السياسية السائدة يمكن له أنْ يكون أفرادًا بعيدًا عن التفسيرات
الجهادية الأكثر تطرفًا من السلفية, ربما تكون هذه الحركات مزعجة كلاعبين
سياسيين، لكنَّ الديمقراطية توفر مخرجًا للتغيير أكثر إيجابية من العنف.
في
نهاية المطاف تُسلط تصريحات "العودة" الضوء على تحول أيديولوجي هام داخل
الحركة السلفية على مدى السنة والنصف الماضية, والذي توحي بضرورة استمرار
الولايات المتحدة في انتهاج السياسة التي تساعد وتشجع الديمقراطيات الناشئة
العربية على الانفتاح؛ بحيث يمكن للأفراد في داخلها تشكيل مستقبلهم.
-------------------
طالع.. المصدر
تعليقات