سوريا .. التحرّك أو دفع الثمن!
ترجمة: حسن شعيب
ألم
يحن الوقت للعالم أن يتساءل: هل تصبح سوريا في عصرنا الحالي تشيكوسلوفاكيا
هذا الجيل؟..فبرغم أن سوريا لم تغزها قوة أجنبيّة, فإن النظام السوري
وجيشه الوحشي منهمكان مع القوى الأجنبية، التي تورطت بصمتها، في قتل
الآلاف، وبغض النظر عن تصريحات مراقبي الأمم المتحدة المطّاطة، ومحاولاتهم
الفاشلة، بدا العالم مكتوف الأيدي ويقف موقف المتفرج بعد ذبح الأطفال
والأمهات وتعذيبهم واستخدامهم كدروع بشريَّة من قبل القوات الحكوميَّة, كما
تعرضت المباني السكنيّة للقصف حتى أزهقت آخر نفس فيها، بينما يقف العالم
صامتًا لا يتحرك.
بل
إن الأسد استطاع أن يستخدم جهود كوفي عنان, مبعوث الأمم المتحدة والجامعة
العربيَّة، لكسب المزيد من الوقت، وقتل المزيد من الناس, فضلا عن تزويده
بالسلاح من قبل إيران وروسيا، كما يحميه فيتو الصين وروسيا في مجلس الأمن,
وبذلك يتمتع الأسد وجيشه والعصابات المسلحة بحصانة يفلتون بها من العقاب
الذي يستحقون.
في
المقابل أفادت وسائل الإعلام البريطانيّة مؤخرًا أن شحنات الأسلحة
والطائرات الحربيّة الروسيّة التي تذهب إلى دمشق تلقي بظلالها على الثمن
الاستراتيجي الذي قد يتكبده الغرب والجامعة العربيّة إذا لم يفضوا هذا
الاشتباك فورًا, حيث تعرف سوريا بأنها عميل لإيران ودولة تدعم الإرهاب
عالميًا وإقليميًا, كما تحاول روسيا الحفاظ على قاعدتها العسكريّة
البحريّة، وأن يكون لها موطئ قدم في المنطقة, لذلك تقوم بزيادة مساندتها
هناك وانخراطها بشكل أكبر في نظام دعم مفوض يعتمد عليه الأسد.
حتى
الآن لا يوجد ما يثير الخوف لدى الجيش السوري, إلا بعد إعلان الناتو
والجامعة العربيّة منطقة حظر طيران من أجل إبعاد الطائرات السورية عن
مهاجمة مواطنيها المدنيين, وحتى تقوم سفن الناتو التي تحمل صواريخ بحر أرض
وطائرات مروحيّة بعمل دوريات قبالة السواحل السورية, وحتى يتمّ إبطال سيطرة
أنظمة القيادة على سوريا والمركز.
أما
تركيا والأردن وكذلك لبنان فهم يستحقون الدعم اللوجيستي والتقني حتى
يتحملوا أعباء نزوح اللاجئين إليهم والتي يتبنون تحملها والقيام بها, كما
ينبغي علينا أن نشعر الأسد ومسانديه من إيران أو روسيا أن زمن الإفلات من
العقاب قد ولَّى حتى ندخل مفاوضات وقف إطلاق النار.
حالة
الجمود التي يروج لها بعض من يزعم أن مخاطر التدخل ستكون عالية للغاية,
فإنهم باستراتيجيتهم تلك يسمحون للديكتاتور أن يحقق النصر من خلال قتل شعبه
(كما دأبت عائلة الأسد) وأن يبقى في السلطة ويستمر في نهب شعبه، فضلًا عن
دعمه لإيران ومساندة روسيا في المنطقة على حساب الاستقرار والسلام في تركيا
والأردن ولبنان.
إذا
ما استمر سفك الدماء دون وجود عسكري غربي أو عربي, فإن خطر الإبادة
الجماعيّة سوف يتزايد ضدّ الأقليات المعارضة المناهضة للأسد, كما أن عدم
التدخل بشكل كاف قد يزيد من خطورة اندلاع حرب بين السنة والشيعة, قد يفهم
أن ما فيه الأمم المتحدة من عجز عن عمل شيء يعود للإجراءات المؤسسيّة, لكن
ما لا يمكن تفسيره هو حالة الجمود والشلل التي تغشى العالم كما لو كان
ستارًا لتجنب المسئوليّة, إلا بأنها مسألة أخلاقيّة وتنازل غامض.
ليس
ثمة شك في أن السماح باستمرار العنف السوري يبعث برسالة لجميع الحكومات
المستبدة والمارقة مفادها أن سنوات الانتخابات الرئاسية الأمريكية أفضل وقت
لقتل شعوبها دون مساءلة, ربما يكون التدخل الغربي المأمول تحت قيادة
الجامعة العربيّة صعبًا ومعقدًا وفوضويًا, بيد أنه يقدم إشارات واضحة واهمة
لما ينبغي أن تكون عليه البشريّة في الغالب.
ليس
أمرًا صعبًا أو معقدًا أن يقف العالم مكتوف الأيدي ويتفرج على المشهد
فحسب، لكنه جريمة بكل معنى الكلمة, وهي رسالة لإيران وروسيا والصين
وعملائها أنه لا يوجد هناك من يتحمل "مسئوليّة الحماية" ومناهضة أي جهة
ترعى الأعمال الوحشية أو العنف الدموي, وهذا ذات الطريق الذي تم التنازل
فيه عن تشيكوسلوفاكيا لصالح النازيين قبل عقود عدة دون قتال.
في
الواقع أن ما يفعله الغرب في سوريا في الوقت الراهن هو أنه سيتجنب وشركاءه
الانخراط في أي مشكلة خارجيّة مهما كانت التكاليف، وهي الرسالة التي بعثها
من الشرق الأوسط إلى المحيط الهندي, ومن بحر الصين الجنوبي إلى الخليج
العربي وشبه الجزيرة الكورية, والتي تعتبر الطريقة الأمثل لجلب المخاطر
وعدوان الدول المارقة.
تبدو
سوريا كالطائر المغرد "الكناري" الذي وقع في منجم من الفحم في الحرب
الباردة الجديدة, كما ينبغي أن تذكرنا جميعًا بأن الثمن الذي سيدفعه العالم
بعدم التدخل غالبًا سوف يكون أكبر بكثير مما سندفعه إذا ما تصرَّفنا باسم
الإنسانيّة.
---------------
طالع.. المصدر
تعليقات