ربيع المغرب الثاني
ترجمة: حسن شعيب
ببراعةٍ، أُشيد بها, استطاع العاهل المغربي تجنّب الثورة, إلا أن وعود الإصلاح- كما اكتشفت الأنظمة العربيّة الأخرى- أثرها محدود.
حكايات
تحذيريّة تخرج من رحم الانتفاضات العربية؛ كما أظهرت سوريا أن: ليس كل
ثورة يمكن أن تكون ناجحة كتونس, ولا تداعياتها وردية. ثم هنالك أيضًا أسئلة
طُرِحَت حول تلك الأماكن التي لم تشهد ثورات؛ هل استطاعت تفاديها لوجود
حكومة حكيمة وذات شعبية، أم أن الثورة تأجلت فقط بسبب نوع من الصدمة
الاجتماعية؟
في
العام الماضي بدا المغرب للوهلة الأولى بعد الربيع العربي يتبع مسار
جيرانه, حيث انتشرت الاحتجاجات بمشاركات لم تشهدها البلاد منذ السبعينات,
وبرغم أن الملك محمد السادس, الذي لم تستهدف الاحتجاجات سلطاته, قام ببراعة
باستعادة زمام المبادرة بتقديم اقتراح سريع بكتابة دستور جديد, ثم تلا ذلك
انتخابات فاز فيها لأول مرة حزب إسلامي معتدل "العدالة والتنمية", ومن
المؤكد أن ذلك جعل بعض المراقبين يتساءلون هل ما حدث بالمغرب يعد مثالا
يحتذى به في التغيير لتفادي تداعيات الثورة وتبعياتها؟
وقد
انقسم العديد من المغربيين في هذا الصدد, حيث خاف العديد من حرب أهلية
كالتي في ليبيا ولاحقا في سوريا, وأن التصعيد في الثورة قد يكون مكلفًا
للغاية في بلد لا تملك ثروات نفطية أو أصولا استراتيجية كبيرة, كما أقنعتهم
معرفتهم أن "المخزن" (النخبة الحاكمة حول الملك, سواء العائلة الملكية أو الأعيان وملاك الأراضي، وزعماء القبائل وكبار العسكريين، وكبار رجال الأمن) التي تحكم السياسة والاقتصاد من وراء الكواليس لن يرضخوا بسهولة وربما يلجئون إلى القمع, وذلك ما جعل العديد منهم يتمنى أن تكون وعود الإصلاح حقيقية.
بيد
أن وقوع بعض الأحداث الأخيرة رجحت أن صبر المغاربة قد ينفد قريبا إذا لم
يشعروا بدلائل ملموسة على المسار الإصلاحي, حيث يوجد عدد متزايد من
الإضرابات والاحتجاجات, لكنها لم تكن حول الأزمة السياسية, ولكنها بسبب
السخط المتزايد حيال المظالم الاجتماعيّة والاقتصاديّة, ومثل هذه
الاحتجاجات كانت وقودًا للربيع والانتفاضات العربيّة, ومنها الاحتجاجات
التي اندلعت في مدينة "تازة", التي تقع شمال شرق البلاد وتعيش في فقر مدقع
وغالبًا ما يواجهون بالقمع العنيف.
وقد
كانت سرعة تجمعهم مدعاةً للقلق, لأن الاقتصاد العالمي لا يبشر بخير,
فالمغرب تستورد كثيرًا من القمح وتقريبا كل الطاقة, ثم تقوم بدعم كل من
الخبز والوقود, ومع توقع زيادة مطردة في أسعار السلع والنفط, تواجه الحكومة
المغربية صعوبة في الإنفاق, ناهيك عن تحقيق معدلات نمو متفائلة خيالية وعد
بها رئيس الوزراء الجديد, بنكيران, عندما تقلّد منصب رئيس الحكومة.
ويزيد
من صعوبة الوضع في هذا الوقت خاصة، مواجهة الاتحاد الأوروبي -الشريك
التجاري الرئيس للمغرب- أزمة اقتصادية تضعف الصناعات الموجهة للتصدير, مثل
المنسوجات والحد من التحويلات الماليّة, شريان الحياة لدولة المغرب, التي
يرسلها العمال المهاجرون, لذا فقد يكون من المستحيل تقريبا تحقيق أي نمو
عموما إذا ما كان يتوقع العديد أن يشهد هذا العام جفافا يمكن أن يقضي على
الاقتصاد المغربي, الذي ما زال يعتمد على الزراعة بشكلٍ كبير.
نتيجة
لذلك, فإن الأزمة الاقتصاديّة سوف تهيمن على المغاربة في عام 2012 بدلا من
المعضلة السياسية والحاجة الملحة لوضع دستور حقيقي والتي كانت تسيطر على
عام 2011, وفي مثل هذه الظروف فقد تكون المفاوضات والحوار الحل الأنسب بما
يمكن تسميته مناورة ذكية من النظام, ولا سيما أن ثروة العائلة الملكيّة
وحاشيتها أصبحت قضية رمزية لطريقة حكم البلاد الخاطئة بعد توارد أنباء عن
تضاعف ثروة الملك إلى الضعف منذ وصوله للسلطة مما جعله واحدًا من أغنى
الملوك في العالم.
وصار مفهومًا بشكلٍ كبير للغاية أن الحكومة الجديدة ربما تكون أقل قوة من حكومة الظل التي تحكم من خلال القصر الملكي, وقد صار مرفوضًا أن يستخدم المستشارون الملكيون والعائلة المالكة نفوذهم غير الرسمي لجني
مزيد من المنافع الملموسة للغاية, وهذا يتضح عند معرفة أن شركات الملك تضم
أكبر شركات التأمين وأضخم مصرف وأكبر شركة للأعمال الزراعية في المغرب,
وهذا ما لا يجعل اللعبة الاقتصاديّة عادلة, فضلا عن الفساد المستشري في المنظومة وتدخل "المخزن" في الاتحادات العمالية والنقابات.
وفي
ظل هذه الظروف هل كانت الحكومة الجديدة ضحية سيطرة "المخزن" على أمور
البلاد فبدت للشعب المغربي ضعيفة لا تملك من أمرها شيئا فانهال عليها سيل
من الانتقاد والسخط, حيث يساور الشعب المغربي شكوك أن تكون الحكومة الجديدة
الإسلاميّة تم ترويضها من قبل "المخزن" مثل غيرها من أحزاب المعارضة
اليساريين والقوميين.
صحيحٌ
أنه لم تكن هناك ثورة في المغرب العام الماضي, إلا أن التعطش للتغيير
والمحاسبة حقيقي داخل كل مغربي, وكما كشفت الأنظمة العربيّة الأخرى أن وعود
الإصلاح يمكنها فقط أن تصنع القليل قبل أن تقوم بإعادة ترتيب أمور وشئون
البلاد, يتضح أن المغرب في حاجة ماسة لتعلم مزيد من الدروس أكثر من تصديرها
دروسًا لدول الربيع العربي.
--------------------
طالع..المصدر --------------------
تعليقات