"هيجليج" السودانية.. حربٌ في الأفق
ترجمة: حسن شعيب
تلوح
في أفق السودان حرب أخرى, قد تكون أشمل وأخطر من سابقتها التي راح ضحيتها
مليونا شخص, بعد احتدام الصراع بين الجنوب والشمال على منطقة هيجليج
النفطية، وتمكن قوات الخرطوم من طرد قوات الجنوب منها وإعلان إعادة السيطرة
عليها.
غادرت
قوات الجنوب المنطقة مخلفة وراءها حقل النفط الأساسي في هيجليج مدمرا، حيث
قال أحد مهندسي الشركة المشرفة على تشغيل الحقل: "قامت قوات جنوب السودان
بتخريب المنشآت النفطية في هيجليج، والتي تشكل نصف الإنتاج النفطي في
الشمال منذ انفصال الجنوب في يوليو 2011"، مضيفا: "لقد دمروا محطة الكهرباء
الأساسية التي تُزَوِّد حقول النفط ومحطة التكرير, وأيضًا قاعات التحكم
ونظام الأمن لمحطة التكرير".
يبدو أن "هيجليج" ليست النهاية, وهذا ما حذرت منه "جارديان"
البريطانية، داعية القائمين على اتفاقية السلام بين "الشمال والجنوب" إلى
الوقوف بقوة ضد الحرب الوشيكة، لاسيما بعد تزايد وانتشار الصدامات على طول
الحدود الشمالية والجنوبية.
ربما
كانت عقود الارتياب وسوء النية وانعدام الثقة ونزيف الدماء تجعل الطرفين
يتصرفان بعناد، إلا أن هذا قد يفضي في النهاية إلى نشوب حرب أهلية لن يدفع
ثمنها سوى المدنيين في الشمال والجنوب. أما المجتمع الدولي فقد ارتضى بلعب
دور المتفرج, فالأمم المتحدة تتحدث بغموض عن عقوبات جديدة, بينما يقول
تامبو مبكي, وسيط الاتحاد الأفريقي البائس: "ليس هناك الكثير نستطيع القيام
به"، فيما دعا بان كي مون, الأمين العام للأمم المتحدة, إلى وقف فوري
للأعمال العدائية من قبل الجنوبيين, كما حاولت مصر الجمع بين الجانبين لكنه
كان مجهودا دون طائل.
حتى
الدول الغربية التي لم تتوافق مطلقا مع البشير, بدت متفهمة لموقفه إن لم
تكن متعاطفة, وهذا ما يزيد من قوة موقف الخرطوم مقابل تلك الحماقة التي
أقدم عليها سلفا كير, وهي الفرصة التي من غير المرجح أن يتركها السودانيون
في الشمال دون اقتناصها للثأر من انقسام البلد نصفين في العام الماضي
وتدهور اقتصاده الذي يعتمد على النفط.
بدورها أكدت مجلة "تايم"
الأمريكية أن أحداث "هيجليج" أنهت أي تظاهر بالسلام بين السودان والجنوب،
وتحولت إلى حرب"، مشيرة إلى "أن السودان عاد مرة أخرى بعد "هيجليج" إلى
الحرب ولا أحد يعلم إلى متى سيستمر الصراع لأيام أم أسابيع أو ربما سنوات,
بيد أنه صار من الواضح أن لا داعي للتظاهر بالسلام".
وأضافت
المجلة الأمريكية أن قوات الجنوب السوداني قامت باحتلال "هيجليج" ونهبها،
مما أثار غضب واستياء الشماليين, والأغرب –حسب "تايم"- أن تجد اختلاطا بين
جنود جنوب السودان بحرية مع حلفائهم من حركة العدل والإحسان الدارفورية,
التحالف الذي ينفيه الطرفان رسميا، لكنه في حربهم على الشمال صار علنيا".
وذكرت
"تايم" على لسان كارول بيرغر, باحثة حاصلة على الدكتوراه من جامعة بريستول
البريطانية, أن جنوب السودان يقوم بعملية تعبئة جنوبية كاملة، حيث أنها
شاهدت قوافل من الجنود في وسط جنوب السودان", بينما صرح مصدر مقرب من رئيس
جنوب السودان سيلفا كير قائلا: "هذه الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب".
وأشارت
المجلة الأمريكية إلى إحباط الدبلوماسيين وخشيتهم من القادم, حيث بدا
برينستون ليمان, المبعوث الأمريكي الخاص إلى جنوب وشمال السودان منهكا
باعترافه أن هذه هي الحرب, حيث قال: "أحد المخاطر يتمثل في أن الحرب قد
تمتد أبعد بكثير من هيجليج، وأن تزداد بشاعتها أكثر فأكثر".
حتى
الآن لا يحاول أحد أن يحافظ, على الأقل, على السلام الظاهري بين السودان
وجنوب السودان, بينما يؤكد تقرير لمجموعة دولية لمعالجة الأزمات ومقرها في
بروكسل نقلته صحيفة "ناشيونال بوست"
الكندية أن السودان وجنوب السودان على شفا حرب شاملة, حيث يتزايد الغضب في
كلا الجانبين, وبسبب القيادة السيئة وسوء الرقابة والإدارة وانتهاج سياسة
حافة الهاوية وتصاعد المخاطر بين الجانبين وربما يتحول الصراع المستمر إلى
مواجهة واسعة النطاق".
يبدو
أن احتمال وجود انفراجة سياسية دبلوماسية بات ضئيلا للغاية, وإذا لم يسع
المجتمع الدولي ويستفيق من سباته فإن ما قام به من جهود لتحقيق حلم "دولتين
في السودان" يعيشان جنبا إلى جنب في سلام ووئام قد يضيع هباء، بل إن الحرب
القادمة إذا اندلعت قد تكون أسوأ مما يتصور أحد.
-----------------
تعليقات