الصومال.. في وجدان كل تركي
ترجمة: حسن شعيب
في خضم الأحداث الدولية والمشاكل الداخلية والخارجية, لم تنسى تركيا
"الصومال", برغم نظرة الأمم المتحدة للصومال على أنها من أكثر بؤر التوتر
خطورة عليها وعلى فرق إغاثتها العاملة في مناطق الأزمات, ومن ثم غادرت معظم
فرق الإغاثة بالأمم المتحدة إلا قليل بدعوى خوفهم من الحرب الأهلية
ونكبة المجاعة, ولم يمكث في الصومال سوى تركيا التي جندت مئات الأتراك
للعمل على إنقاذ البلاد وإغاثتها.
في
أغسطس الماضي, توجهت مجموعات إغاثة كبيرة من تركيا استجابة للمجاعة الحادة
التي عانت منها الصومال والقرن الأفريقي بأكمله, ومن بين هؤلاء أورهان
أردوغان, 45 عاما, عامل إغاثة تركي في منظمة "كيمس يوك مو"
انتقل من اسطنبول إلى مقديشو مع عائلته, والذي يؤمن بما يقدمه من خدمات
جليلة حيث يقول "دوما تكون حياتنا في خطر وربما يتوقع المرء أن يموت في أي
لحظة في الصومال, ومع ذلك فإن الإحساس بتوصيل المساعدة للمحتاجين والفقراء
يحفزنا على العمل مهما كان سوء الوضع الأمني".
ولا يوجد أورهان وحده في الصومال حيث يقدر السفير التركي في مقديشو كاني تورون عدد عمال الإغاثة الأتراك الموجودين بشكل دائم في الصومال ما بين 150 و200 مواطن, في حين أن هذا العدد يتزايد إلى 500 على الأقل الذين يتطوعون في الأعياد الإسلامية وبخاصة في عيد الأضحى.
وقد تزامن تدفق عمال الإغاثة الأتراك على مقديشو مع تزايد اهتمام الحكومة التركية بالشؤون الصومالية، حيث أثبتت تركيا
وجودها عام 2010 كلاعب له دور أساسي في الشأن الصومالي بعد استضافتها في
اسطنبول لمؤتمر دولي يركز بشكل كبير أمن الصومال والدفع بالاستثمار فيه حتى
يتخلصوا من أعمال القرصنة والفوضى.
ليس هذا فحسب, فقد
زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مقديشو في أغسطس الماضي في رحلة
تاريخية مصطحبا فيها عائلته ومستشاريه, لأنها الزيارة الأولى لزعيم غير
أفريقي للصومال منذ 20 عاما، مما كان لها الأثر القوي على الصعيد العالمي
وخلفت انطباعا عميقا في نفوس الصوماليين المنكوبين, ثم علق على الكارثة
الصومالية قائلا "في الثقافة التركية، يعتقد أن المنح والأشياء الجيدة تأتي
من قلب العتمة والمعاناة, وهذا ينطبق على الصومال، هذه الكارثة (مجاعة
2011) يمكن أن تكون نقطة البدء لمحاولة جديدة لجذب انتباه جهود الإنقاذ
العالمية لمأساة هذه المنطقة من العالم".
من
جانبه علق محمد نور, عمدة مقديشو, على زيارة أردوغان للصومال قائلا "إن
زيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان لمقديشو حطمت الحائط المعنوي الذي غلف
صورة المدينة كمكان لا يمكن الوصول إليه, فقد كانت الزيارة أفضل هدية حاز
عليها الشعب الصومالي خلال العشرين عاما الماضية, بل إنها غيرت وجه مقديشو
تماما", مضيفا أن زيارة أردوغان تعتبر ضوءا أخضر تبعته زيارات عديدة من
وزراء خارجية عدة دول".
الغريب,
أنه برغم بقاء الخطر في الصومال حتى هذه اللحظة وخوف وحذر المنظمات
الدولية من اختطافهم أو قتلهم- كما حدث في عدة حالات- في ظل هذه الظروف
الأمنية السيئة, إلا أنه يلاحظ عدم إفادة أية تقارير عن مقتل أي من
المواطنين الأتراك أو خطفهم في الصومال, بل عندما تسير بين مخيمات اللاجئين
والنازحين في مقديشو ستجد الأطفال والبالغين يهتفون "تركيا تركيا", وفي
الوقت الذي يرتدي فيه أفراد وعمال منظمات الأمم المتحدة الدروع لحمايتهم,
لا تجد عمال الإغاثة التركية لا يرتدون سوى ستراتهم التي تحمل شعار
منظماتهم التركية.
وعندما
تسأل الصوماليين كيف استطاعت تركيا أن تفعل ذلك؟ يجيبك صومالي قائلا
"لأنهم موضع ترحيب فقد قرروا البقاء في البلاد حتى لو كان الوضع الأمني
خطرا لأنهم يريدون مساعدة البشر" مضيفا "إن الصوماليين يشاهدون الأتراك في
جميع أنحاء المدينة حيث يذهبون للمساجد أو يقضون حوائجهم دون أن يظهروا أي إحساس بالخوف أو عدم الأمان, كحال معظم الأجانب, بل إنهم يذهبون ويجيئون كل يوم وهم مسرورين بما يقدمونه".
ليس
ثمة شك أن الأتراك يعتمدون في ذلك على عقيدتهم الإسلامية التي تمثل دعامة
قوية للعلاقات الصومالية التركية, حيث يقول سيرهات أوراكي, عامل إغاثة
تركي, "بالعقلية التركية والعقيدة الإسلامية نحن لا نفصل بيننا وبين
الجمهور, فنحن نعيش بالقرب منهم ونسكن الفنادق الرخيصة ولا نذهب للمطاعم
الفاخرة وأحيانا نقوم بزيارتهم في منازلهم والأكل معهم".
لقد
كانت مجاعة الصومال تلقى دعما شعبيا في تركيا سواء من عمال المساعدات
الإغاثة والدبلوماسيين حيث يقول أوراكي "معظم قنوات الأخبار التركية جاءت
إلى مقديشو وبثت العديد من الصور والفيديوهات الخاصة بالمجاعة الصومالية",
ولا شك أن الجمع بين الدعم الخاص ومساعدة الحكومة التركية في أنقرة كان له
تأثير قوي في الصومال, حيث أعلن أردوغان إعادة فتح سفارة تركيا في الصومال
خلال زيارته, كما جمع أكثر من 350 مليون دولار من تركيا وفقا لوزارة
الخارجية التركية لإعادة إعمار المستشفيات والمدارس فضلا عن إرسال الطلاب
الصوماليين إلى تركيا لحصولهم على منح دراسية, كما بدأت الخطوط الجوية
التركية بتدشين رحلتين إلى مقديشو من اسطنبول في الشهر الماضي.
جدير
بالذكر أن اسطنبول ستقيم في يونيو القادم مؤتمرا آخر يتناول فيه القضية
الصومالية, والذي قد تجمع فيه تركيا فرقاء الصومال فيما قال عنه بعض
المحللين أن تركيا لديها آراء قوية عن العملية السياسية الصومالية, وقد
تحاول أنقرة في هذا المؤتمر ترجمة مساعداتها الإنسانية إلى نفوذ سياسي.
في النهاية قد تكون
ردود فعل المحللين على الجهود التركية انقسمت إلى انبهار بالإنجازات التي
حققتها تركيا تحققت وثناء عليها, أو مستهزئ بها ومقلل من حجمها وغافل لما
قدمته تركيا, بيد أن الحقائق على الأرض تثبت أن الصوماليين قد تقبلوا
الأتراك وارتاحوا إليهم إلى درجة لا يجرؤ أحد أن يحلم بالوصول إليها.
--------------------
طالع.. المصدر
تعليقات