خمس دروس باكستانية لمصر
ترجمة: حسن شعيب
ندما
تنحى حسني مبارك عن رئاسة مصر في فبراير الماضي, تساءل العديد من المعلقين
عما إذا كانت مصر ستشهد مصيرًا يشبه الحال في باكستان, حيث توجد ديمقراطية
برلمانية بحكومة منتخبة، إلا أن معظم الصلاحيات بيد الجيش وحده.
مع
نهاية العام الماضي، وتبلور المشهد في مصر، أصبح هذا السؤال واقعًا.
فالواضح من المشهد السياسي في مصر, بعد الانتهاء من العملية الانتخابية أن
مصر في طريقها لاتباع طريق باكستان, فقد تغيرت في الحكومة, ورحل مبارك, إلا
أن النظام ما زال موجودًا من خلال اعتلاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة
للسلطة في المرحلة الانتقالية, لذلك ينبغي على الديمقراطيين والسياسيين
بمصر التعلم من نجاحات وإخفاقات نظرائهم الباكستانيين, وها هي الدروس الخمس
التي يمكن الاستفادة منها:
1- لا تتركوا المجلس العسكري يفرق بين المدنيين ثم يحكمهم
في
باكستان, تمكنت الأطراف المقاتلة من تمرير تعديل دستوري والذي يقلص من
صلاحيات الرئاسة والسيطرة على إقليم البنجاب, إلا أن تدهور الائتلاف بين
"حزب الشعب" الباكستاني, ورابطة مسلمي باكستان, تسببت في وقوع أزمة سياسية
تدخل على إثرها الجيش الباكستاني, فيما يشبه انقلاب مصغر, ومنذ ذلك الحين
لم ينسحب الجيش من السلطة ويعود إلى ثكناته.
وحتى
تتجنب مصر الوقوع في نفس المصير, ينبغي على الأحزاب السياسية في مصر أن
تتعاون ولا تترك أي فجوة أو مساحة للتدخل العسكري, حيث عبر بعض الجنرالات
العسكريين هناك عن رغبتهم في التأثير على تشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة
الدستور, وبرغم تراجعهم عن هذا, فإن المجلس العسكري المصري قد يحاول مرة
أخرى التدخل في عملية صياغة الدستور من خلال استغلال مخاوف العلمانيين
والمسيحيين من نفوذ الإسلاميين.
ومن
أجل ضمان بقاء العسكر بعيدا عن اللعبة السياسية, لابد أن تضمن جماعة
"الإخوان المسلمين", والتي تشكل إلى جانب السلفيين أكثر من 60 في المائة من
البرلمان المصر, أن عملية صياغة الدستور لن يستأثر بها الأغلبية –ذات
الطابع الإسلامي- دون غير الإسلاميين, ولا سيما أن الأحزاب المصرية الكبرى
تتشارك في نفس المصالح والقيم المصرية, وحتى لا تمنعهم هذا الاختلافات من
ضمان اختيار النواب المنتخبين, وليس المجلس العسكري, صياغة لدستور
ديمقراطي جديد.
2- تفويض البرلمان وتمكينه من الصلاحيات وتحسين قدرته وكفاءته
بعدما
أعلن السياسيون الباكستانيون أن سلطة البرلمان لا يملك حضورًا قويًا وما
زالت اللجان القوية غير كافية, وهذا ما أحدث فراغًا في باكستان, شغله ناشط
في المحكمة العليا والذي كان يملك أجندة إعلامية للدعوة لتدخل الجيش
الباكستاني, وفي مصر, ينبغي على الديمقراطيين هناك أن يتفادوا هذا المصير,
ولا يحدث هذا بمنح البرلمان السلطة التشريعية الحقيقية وصلاحيات الرقابة
والموازنة فحسب, ولكن أيضًا من خلال تحسين كفاءة وقدرة النواب والمشرعين.
بعد
انتخابات عام 2005, دأبت جماعة الإخوان المسلمين على العمل بجدية ونشاط
لتعزيز وإثراء المناقشات التي تدور حول الميزانية الاتحادية, كما رفعت من
كفاءة نوابها في تناول قضايا السياسة العامة من خلال المطبخ البرلماني, إلا
أن هذه الجهود تحتاج إلى أن تتضاعف لتشمل توسيع البرنامج التعليمي الرسمي
للنواب فيما يتعلق بقضايا السياسيات والاستراتيجيات التشريعية.
3- تقليص سلطات وصلاحيات الجيش شيئًا فشيئًا
في
باكستان, يجتمع رئيس الوزراء والرئيس وقائد الجيش, فيما يعرف بالترويكا,
بشكل غير رسمي لتحديد السياسة الخارجية والأمنية, وربما تكون هيمنة قائد
الجيش على الترويكا أسهمت في الاستقرار السياسي للبلاد, لكنه في ذات الوقت
ينافي الطبيعة الديمقراطية, وهذا ما لا يضمن لعدم بقاء هذا الترويكا
باستمرار كما أنه لا يقدم سوى القليل لصناعة السياسة.
ويمكن
لمصر أن تتجنب هذا النوع من تركيز السلطة من خلال التوافق غير الرسمي بين
المدنيين والعسكريين, لذلك ينبغي على الديمقراطيين والمدنيين في مصر أن
يختاروا بعناية هذه الصلاحيات التي ستسحب من الجيش, كما يجب عليهم إعاقة أي
محاولة من قبل الجيش لخلق نظام رئاسي يقوض صلاحيات البرلمان, وليحذر
المدنيون من التقليص الكامل لصلاحيات الجيش لأنه من المحتمل أن يؤدي ذلك
إلى رد فعل عنيف يطيح بكل مكتسبات الثورة التي تحققت العام الماضي.
4- انتبهوا لاقتصاد البلاد
منذ
انتخابات عام 2008 في باكستان, والتي جاءت بالحكومة الديمقراطية, تحول حال
باكستان الاقتصادي من أسرع اقتصاد نموًا في آسيا إلى "رجل القارة المريض",
حيث توقف النمو الاقتصادي بسبب سوء إدارة الحكومة: فقد استهلكت شركات
الطيران المملوكة للدولة والسكك الحديد مليارات الدولارات خلال عام, كما
تجاوزت عدد ساعات انقطاع الكهرباء 12 ساعة يوميا, فضلا عن أن 92 % من
الباكستانيين يشعرون أن دولتهم تسير في الاتجاه الخاطئ, مع ارتفاع معدلات
التضخم في البلاد.
بالمثل,
تواجه مصر مصيرا اقتصاديا متعثرا, حيث انخفض مؤشر بورصة القاهرة للأوراق
المالية الرئيسية إلى 40 % هذا العام, بينما ارتفع النمو الاقتصادي المصري
بنحو واحد في المائة, كما ارتفعت معدلات البطالة والتضخم, أسباب الثورة,
منذ تنحي مبارك, بالإضافة إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي إلى 20 بالمائة,
وبدون اقتصاد قوي ومتماسك, فسيكون تحمل الانتقال إلى النظام الديمقراطي
الجديد عسيرًا للغاية.
ولتفادي
خسائر ما بعد المرحلة الانتقالية التي عانت منها باكستان في مصر, يتعين
على الديمقراطيين في مصر وضع سياسية اقتصادية متماسكة لمكافحة الفساد ولوضع
البلاد على مرة أخرى في مسار الإصلاح الهيكلي ومن ثم توفير وظائف للعمل,
وربما سيكونون في حاجة لخصخصة الشركات المملوكة للدولة, وتخفيض الإعانات,
وجلب الاستثمار الأجنبي والسياحة, مع الحرص ألا يكون وزير المالية القادم
ملوثا من النظام الاستبدادي السابق.
5- الحفاظ على حقوق الأقليات لمزيد من الائتلاف
في
باكستان, كان الائتلاف الذي قاده حزب الشعب الباكستاني من أجل البقاء في
السلطة لأربع سنوات هشًا وضعيفًا، وذلك يرجع جزئيا إلى التنازلات والتقصير
في حقوق الأحزاب الصغيرة والإقليمية, لأن السياسة هي فن التسوية والتوصل
إلى تفاهم, بينما نجح سياسيون باكستانيون آخرون بسبب إدارتهم الماهرة
للتحالفات السياسية.
وعلى
المصريين أن يتبعوا هذا النهج من التفاهمات والتحالفات, حيث إن صياغة
دستور مدني من خلال السلطة البرلمانية يتطلب تحالفا كبيرا, لذا يحتاج حزب
الحرية العدالة المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين أن يتحالف مع الكتلة
المصرية وحزب الوفد للتأكيد على أن الأقباط والعلمانيين لن يكون مواطنيين
من الدرجة الثانية في الدستور القادم, بينما يعني تحالف الحرية والعدالة مع
حزب النور السلفي من المنطلقات الدينية, زيادة مخاطر وجود صراع داخل
البلاد, قد ينتهي في النهاية للجوء العلمانيين لأحضان الجيش.
بادرة
أمل, هذا القرار الأخير الذي اتخذته جماعة الإخوان المسلمين بحماية
الكنائس خلال رأس السنة الجديدة باعتبارها خطوة في الاتجاه الصحيح, يبدو أن
مصر في خضم مرحلة انتقالية صعبة وغامضة وقد تفشل تجربتها الديمقراطية
الوليد لأسباب عدة, إلا أن المصريين يمكنهم النجاح في هذه التجربة إذا ما
استطاعوا ان يتعلموا من أخطاء نظرائهم الباكستانيين, والسعي لمزيد من
التوافق والتلاحم والوقوف للحيلولة دون انقضاض المجلس العسكري على السلطة
من خلال الإدارة العاجزة للبلاد.
-------------------
طالع ..المصدر
تعليقات