صوملة اليمن.. الذي كان سعيدًا!


ترجمة: حسن شعيب
يبدو أن إمعان النظام اليمني في استخدام آلة القتل والقمع العشوائية ضد المتظاهرين, وما يقابلها من ردة فعل قوية، واستماتة غاضبة من المعارضة، قد يوصل أزمة اليمن, التي استمرت طيلة الثمانية أشهر الماضية, إلى مرحلة حاسمة. لكن هذا لن يتحقق إلا بضمان مصالح اللاعب الرئيسي في المنطقة, الولايات المتحدة, التي تصب جام تركيزها على مسألة الأمن الاستراتيجي والخوف من الإرهاب أكثر من نشر الديمقراطية والرخاء في شبه الجزيرة العربية.
من أجل ذلك مارست الولايات المتحدة ضغوطها الأسبوع الماضي لوضع نهاية لحكم علي عبد الله صالح, وطالبته بقبول صفقة الانتقال السياسي السلمي للسلطة في غضون سبعة أيام. وتدعو هذه الخطة, التي توسطت فيها السعودية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي, إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية ووضع دستور جديد للبلاد.
بيدَ أن صالح -الذي عاد من السعودية بعد أن مكث قرابة ثلاثة أشهر على إثر محاولة اغتياله في يونيو الماضي- يقاوم، بكل ما تبقى لديه من قوة، الخطوةَ الرئيسية للخطة، وهي تنحيه وتسليمه السلطة لنائبه في مقابل توفير الحماية اللازمة له. وبرغم أن وزارة الخارجية الأمريكية متحفزة - حسب قولها- لتنازل الرئيس صالح عن السلطة وتفويض نائبه, إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أن الولايات المتحدة مستعدة أو راغبة في رحيله من المشهد ولو بالقوة.
من المؤكد أنها إذا كانت راغبة في ذلك, لفعلته بطريقة أو بأخرى منذ أشهر مضت، لكن هذا التردد لوضع نهاية لهذه الأزمة, على الرغم من الفوضى المتزايدة في صنعاء والمدن اليمنية الأخرى, يتناقض بشكل حاد مع الطريقة القاسية التي تعاملت بها واشنطن مع حسني مبارك وقطع دعمها له. وحتى إذا وُوفق على صفقة الانتقال السلمي, فسيبقى صالح في السلطة إلى أجل غير مسمى حتى يتم إنجاز شروط الصفقة.
وهذا بدوره يؤكد أن السبب الرئيس لبقاء النظام اليمني القمعي حتى الآن في السلطة هو المخاوف المسيطرة على الولايات المتحدة من التداعيات المحتملة بشكل كبير لما بعد ذلك في المنطقة العربية, لاسيما أن الصراع اليمني أصبح، على مستوى الشارع المؤيد للديمقراطية الساعي للربيع العربي، هو الصراع الأوسع والأكثر تعقيدًا, نظرًا لما فيه من جوانب صراعات أخرى على السلطة بين النخب العسكرية والاقتصادية, ناهيك عن الخصومات القبلية الطويلة, والجماعات الانفصالية المسلحة في الجنوب, والتمرد الشيعي في الشمال, والخوف من تشديد قبضة تنظيم القاعدة في اليمن على شبه الجزيرة العربية, الذي تراه واشنطن يمثل تهديدًا أكبر من تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان, وقد كان صالح, برغم أخطائه, حليفًا قويًا لأمريكا في الحرب على الإرهاب.
قد يساعد هذا في تفسير السبب وراء كون الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة أكثر فاعلية في تفجير الأزمة في اليمن أكثر من إصلاحها. ووفقًا لما قاله بعض المسئولين في إدارة أوباما لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية هذا الأسبوع، فإن الولايات المتحدة زادت بشكل كبير من عدد هجمات الطائرات بدون طيار على أهداف تنظيم القاعدة, ومعظمها في جنوب اليمن, مشيرين إلى أنه تم إبلاغ وكالة المخابرات المركزية لتوسيع عملياتها في اليمن.
وفي خطاب ألقاه في جامعة هارفارد الأسبوع الماضي, أشار جون برينان, مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب, إلى أن واشنطن ترى اليمن أولاً وأخيرًا معركة جديدة هامة أكثر من كونها معقلاً قادمًا للديمقراطية في المنطقة العربية, حيث قال: "إن الولايات المتحدة لا ترى أن سلطتنا في استخدام القوة العسكرية ضد تنظيم القاعدة لا يقتصر فحسب على المعارك" الساخنة "مثل أفغانستان", مضيفًا: "نحن نحتفظ بحقنا في اتخاذ إجراءات من جانب واحد إذا لم تكن الحكومات الأخرى راغبة أو غير قادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة", وقد يكون برينان حافظ على مبدأ استخدام القوة للولايات المتحدة وقتما وأينما تشاء.
وفي خضم هذا التصعيد العسكري والمشاحنات السياسية, وبخاصة بعد آخر معركة في اليمن، والتي يمكن أن تكون أكثر فتكًا من ذي قبل, نشرت منظمة أوكسفام تقريرًا جديدًا يلقي بالضوء على خطورة الأزمة, وهو أن العديد من الشعب اليمني "على شفير كارثة" بسبب الجوع الناجم عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والارتفاع الصاروخي لاستهلاك الوقود, ناهيك عن أن اليمن ثالث أكبر دولة في العالم في نسبة ارتفاع سوء تغذية الأطفال, مما يجعل الأمور أكثر سوءًا, فضلاً عن نزوح حوالي 90 ألف شخص بسبب القتال في الجنوب.
وفي ظل هذه الأوضاع المزرية وتفاقم الأزمة, وبدلاً من زيادة الإغاثة والمساعدات الإنسانية الأخرى, قام البنك الدولي مرة أخرى بتخفيض المساعدات, متذرعًا بسوء استقرار الوضع سياسيًا وأمنيًا, كما وقفت الأمم المتحدة وغيرها من وكالات تمويل العجز والركود الذي أصاب الدول موقف المتفرج وأيديهم في جيوبهم, ومع استمرار المأزق السياسي, ونشوب الصراع والنزاع على جميع الجبهات, فإن هناك مخاوف متزايدة من أن يتحول اليمن "السعيد قديمًا" إلى "صومال جديد".
-----------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء