الثورات العربية.. هل تذروها الرياح؟
ترجمة: حسن شعيب
بعد
مضي قرابة نصف عام على الربيع العربي، يتوقع أن تُعاد رسم خريطة الشرق
الأوسط من جديد هذه المرة بإرادة شعبية (لا أمريكية), في ظل مشهد تمتلئ فيه
الميادين الرئيسية في العواصم العربية بالغاضبين للتعبير عن تحديهم
للأنظمة القمعية, ما يحقق مكاسب كثيرة كعودة المنفيين وإطلاق سراح السجناء
السياسيين.
وكان
لثورتي مصر وتونس مذاق خاص، ومكاسب متميزة؛ حيث استطاعت الاحتجاجات
الشعبية الإطاحة بنظامي مبارك وابن علي, ومن المرجح أن يؤول معظم الأنظمة
العربية الباقية لنفس المصير، أو على الأقل تستطيع الشعوب الحصول على
صلاحيات كبيرة.
لقد
بدا وكأن إحساس إثبات الكيان والوجود هو حد فاصل وعميق بين العرب وبين
شبابهم على وجه الخصوص, فقد ظلت وسائل الإعلام ولا سيما قناة الجزيرة في
بداية شهري فبراير ومارس التي سلطت الضوء كل ساعة على الأنظمة الاستبدادية
التي يحاصرها الغضب الشعبي ومن ثم تستلم له وتنهي الجزيرة تقاريرها بجملة
يملؤها الفرح "من التالي؟".
وحتى
هذا الوقت, كان الارتياح سائدا لرؤية الحكام البغيضين يتساقطون واحدا تلو
الآخر, إلا أن المشهد بات مثيرا للقلق, حيث أن الثورة في مصر وتونس تناضل
من أجل الحفاظ على زخم ثوراتهما, أما الثورات في بعض البلدان العربية
الأخرى فقد صارت أكثر دموية سواء في ليبيا, وسوريا واليمن والتي استمرت
فيهم الاحتجاجات لأشهر, ولم تولد سوى مزيد من الدمار, مع عدم وجود نهاية
واضحة في الأفق, أما الدول العربية الأخرى, ولا سيما الملكيات, فقد استطاعت
أن تتصدى حتى الآن لدعوات التغيير بنجاح باهر, وذلك بمزيج مألوف من القمع
وتقديم الوعود.
العودة إلى الميدان
بعد
ستة أشهر من احتجاجات الشوارع الضخمة التي هزت وسط تونس والقاهرة, ومازالت
كلا المدينتين تشهد احتجاجات دورية, تدفق مئات الآلاف من المصريين إلى
ميدان التحرير مرة أخرى في 8 يوليو, وقد اختلفت العوامل المحفزة لهذه
الاحتجاجات, لكن الجميع اتفقوا على أنهم مازالوا يبحثون عن تنسم مناخ جديد
من الحرية بتنفيذ المطالب التي عبرت عنها من قبل, كما أعرب المحتجون عن
استياءهم الحاد ومطالبتهم بسرعة التغيير, والتأكيد على أن كثير من عجائز
النظام السباق ما زالت تقبض على مقاليد السلطة, والذين يعتبرهم الثوار
مذنبين بتقاعسهم تحقيق أهدافهم الثورية حتى يثبتوا عكس ذلك.
يبدو
أن الجنرالات العسكريين الذين يحكمون ظاهريا في مصر الآن, مازالت تستخدم
ذات الآلة الإدارية الضخمة والمتثاقلة التي تعود لستة عقود من الحكم
الاستبدادي, الأمر ذاته, مع النخبة الاجتماعية التي لا تزال تهيمن على
تونس, وحتى مع أفضل نوايا هذه الحرس القديم فإنهم يجدون صعوبة في استيعاب
التحديات التي تطرحها الإرادة الشعبية, المدعومة من قبل الصحافة الجريئة
وحماسة الشباب الثوريين.
والجدير
بالذكر أن هذه التناقضات تبدو صارخة في مصر, حيث يبدو المجلس الأعلى
للقوات المسلحة في كثير من الأحيان مصابا بالحيرة من المطالب التي تحاصره,
إلا أن الجنرالات حاولوا أن يتواصلوا سواء عبر صفحة الفيس بوك أو عقد
اجتماعات مع المنتقدين, وإصدار بيانات تتسم أحيانا بالخواء أو مثيرة للخوف,
كما عكست قرارات المجلس العسكري مزيجا مقلقا باهت من المحافظة العميقة
وفرط الحساسية, وقد اعترض الجيش على قبول مساعدة من صندوق النقد الدولي
والبنك الدولي, على الرغم من الشروط المخففة التي لم يسبق له مثيل, والحاجة
الملحة لبدء إنعاش الاقتصاد المصري المتعثر.
من
ناحية أخرى, خلقت المحاولات العشوائية لمحاكمة الجرائم التي ارتكبت في ظل
نظام ما قبل الثورة عدم شعور بالطمأنينة والراحة بين الشعب, حيث أصدر
القضاة أحكاما قاسية للحالات البسيطة من الفساد وسوء استخدام السلطة, لكنها
حتى الآن تبدو المحاكم المصرية وكأنها تحمى الحيتان الكبيرة من العقاب, في
مقدمتهم مبارك نفسه, وضباط الأمن المسئولين عن التعذيب, بالإضافة إلى مقتل
مئات الأشخاص خلال الثورة, وحسب قول إحدى الناشطات "في عام 1952 كان لدينا
انقلاب تحول إلى ثورة, لكننا هذه المرة يبدو أننا لدينا ثورة تحولت إلى
انقلاب".
ومن
المقرر ألا تجرى الانتخابات في مصر وتونس قبل الخريف, وفي ظل غياب
البرلمانات, سينتشر نوعا من الحوار المتداول, والذي بدوره سيشعل الغضب
الشعبي إزاء عدم إحراز تقدم, وتنظيم مزيد من الاحتجاجات ضد الحكومات
المؤقتة, إلا أنها تفتقد إلى التركيز, حيث يستغل النشطاء السياسيين, وبخاصة
العلمانيين والليبراليين, للتعبير عن خشيتهم من الإسلاميين والذين يتميزون
بأنهم أكثر انضباطا وتنظيما, مما سيجعلهم يستغلون هذه المزايا في
الانتخابات القادمة.
والملفت
للنظر أن الأحزاب الإسلامية الرئيسية, جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب
النهضة الإسلامي في تونس, من المرجح أن يفوزوا بالنسبة الأكبر في
البرلمان, برغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن كلاهما لن يحوزا على أكثر
من 20 ٪ من مجموع الأصوات في الانتخابات, وهي نسبة قد معتادا لأداء الأحزاب
الإسلامية السائدة في بلدان إسلامية كثيرة.
في
كلا البلدين, يسيطر الإحباط على اتجاه التغيير المتقلب, وربما بشكل غير
واضح, ليلقي بظلاله على المكاسب الحقيقية, وشهدت كلا البلدين زيادات في
معدلات الجريمة بعد انهيار جهاز الشرطة, فضلا على أن الشرطة السرية لا تزال
من المرجح تمارس نفوذها الغامض, وزاد النقاشات والسجال بين العلمانيين
والإسلاميين, واليسار واليمين حول الدساتير الجديدة التي أمل كلا البلدين
أن يتم صياغته بحلول العام القادم.
بات
واضحا للعيان أن الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية لم تحقق شيئا مما
كانت تسعى وراءه, حتى في مصر وتونس اللتين تمكنا من الإطاحة برؤوس النظام
فيهما, إلا أنها انخرطا في كثير من الفوضى التي تتبع الثورات ولم تفتأ بعد
من انتشال شعبها منها أو حتى رسم خارطة طريق للعبور بالثورة إلى بر الأمان,
والحال في بقية الدول العربية لا يختلف كثيرا حيث أنه يزداد سوءا كل ساعة
سواء في سوريا واليمن أو ليبيا.
------------------
طالع..المصدر
تعليقات