الربيع العربي.. دفعة هائلة لمكافحة الفساد



ترجمة: حسن شعيب
من تونس إلى اليمن، لعب فساد الأنظمة الحاكمة دورًا هامًا في إشعال الثورة العربية, ومحاكمة الفاسدين على جرائمهم؛ فهاهو الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته يواجه حكماً غيابيًا، لارتكابه عدة جرائم بحق شعبه، من بينها: غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات. في الوقت ذاته وجه القضاء المصري للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك عدة اتهامات بالفساد، وقتل المتظاهرين, وحكمت غيابياً على وزير ماليته السابق, يوسف بطرس غالي, بالسجن 30 عاماً بتهم فساد واختلاس المال العام.
من ناحية أخرى ، خرج ملايين الأشخاص إلى الشوارع في ليبيا وسوريا واليمن؛ اعتراضاً على تفشي الفساد والمحسوبية في بلادهم، ونجاح القيادات الفاسدة في تهريب الثروات إلى الخارج، رغم التعهدات الدولية بمنع أعمال النهب, الأمر الذي كشف عدم كفاية الجهود الدولية المبذولة حاليًا لمكافحة الفساد.
في الواقع, إذا كان قادة العالم جادّين في تعزيز جهود مكافحة الفساد تجاوبًا مع الربيع العربي, فينبغي عليهم أن يبذلوا مزيدًا من الجهود. ويُشهَد لسويسرا أنها قامت مؤخرًا بتغيير قانون إعادة الأموال المهربة، مما حدَا بكثير من الدول إلى تجميد أصول بعض القادة المخلوعين, مثل ابن علي ومبارك ورئيس ساحل العاج السابق لوران جباجبو. وقد قامت سويسرا بهذه الإجراءات؛ لأنها تخشى المساس بسمعتها، ووصمها بأنها ملاذ للأصول غير المشروعة، التي من المرجح أن تضر بقدرتها على جذب الأعمال المشروعة. وعليه ينبغي على كافة الدول الأخرى الاستفادة من هذه الخطوة، ووضع معايير لمكافحة الفساد المتبادل، وفضح الدول التي ترفض التعاون, وهذا هو السبيل الواعد لحمل الدول على عدم مكافحة الفساد والقضاء عليه.
ونظرًا لما تشتهر به البنوك السويسرية من كونها قبلة الحكام المستبدين الفاسدين لوضع حسابات تقدَّر بالملايين من الدولارات, فقد يفاجأ كثيرون حينما يعلمون أن سويسرا اعتمدت في أكتوبر الماضي قانونًا صارمًا لإعادة الكشف عن الأصول غير المشروعة للسياسيين الفاسدين، والسماح لبلادهم الأصلية باستعادتها بطرق أكثر سهولة.
يُذكر أنّ القانون السويسري الجديد, المعروف باسم قانون استرداد الأصول غير المشروعة, دخل حَيِّز التنفيذ في فبراير، وهو يعالج بعض المشاكل من خلال منح الحكومة السويسرية مزيدًا من الحرية للعمل على إعادة الأموال المشكوك فيها. فمثلاً رفع القانون الجديد عبء الإثبات, أي أنه ليس مطلوبًا من الدول إثبات أنّ هذه الأموال غير مشروعة, وذلك في الحالات التي يتضخم فيها رصيد سياسي بشكل كبير خلال فترة حكم الشخص، وينتشر الفساد في بلده. إلا أنّ القانون الجديد يطلب من السياسيين أن يثبتوا حصولهم على هذه الأموال بشكل مشروع.
وتعليقًا على القانون, أشارت وزارة الخارجية السويسرية على موقعها الإلكتروني إلى "أنه ليس من مصلحة سويسرا ضمان أصول الأشخاص الفاسدين سياسيًا، والحاصلين على أموالهم بوسائل غير مشروعة، ولا يمكنها أن تستثمرها في المركز المالي السويسري", وتفسر الوزارة بأنّ "المنافسة بين المراكز المالية شأنًا عالميًا", مؤكدة أن سمعة المركز المالي ومصداقيته على المدى البعيد هي أهم معايير التنافس.
وكحال الدول الأخرى, تدرك سويسرا بالتأكيد أن سمعة حماية الأصول الفاسدة يمكن أن تثني المستثمرين الشرعيين عن التعامل معها؛ لعدم وجود شفافية، أو خوفًا من إلحاق الضرر بسمعتهم لإيداعهم أموالهم في وجهة تُعرف باحتضانها الأموال الفاسدة. وقد تعمل السمعة السيئة للمراكز المالية أيضًا في تعقيد قدرة المؤسسات المالية في الدولة لتتعامل خارجيًا أو دوليًا, وقد تثير محاولات سويسرا لتصوير نفسها كرائدة في منع السياسيين الفاسدين من إخفاء أموالهم, نظرًا لما يحفل به تاريخها من وقائع سابقة, لكنها في الواقع تخشى من ضياع الفرصة في تحسين سمعتها.
لقد صار لزامًا على المجتمع الدولي أن يطوِّر وسائل مكافحة الفساد بسبب ما يقوم به الحكام الفاسدون من سرقة للمليارات سنويًا من شعوبهم، وهم لا يزالون بالسلطة. ولم تعد استعادة الأموال بعد سقوط النظام الفاسد كافية, لذا ينبغي على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير وقائية للحفاظ على هذه الأموال عن طريق استخدام وتسخير دوافع سويسرا للإصلاح ورغبتها في إثبات سلامة نظامها المالي لتحفيز الدول الأخرى للقيام بذلك.
جدير بالذكر أنّ هناك التزامًا متعدد الأطراف لتحسين لوائح مكافحة الفساد, حيث وقعت 140 دولة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2005, وفيه التزمت الدول على اتخاذ تدابير لمنع الفساد، مثل: إنشاء هيئات مكافحة الفساد, والحفاظ على استقلالية القضاء, وإقامة أنظمة تجرِّم الرشوة واختلاس الأموال العامة, ومن ثَم تجمد وتصادر عائدات هذه الجرائم؛ بالتعاون مع الدول الأخرى لتنفيذ قوانين مكافحة الفساد ورد الأصول إلى الدول الأصلية.
لكن للأسف, لا توجد- حتى الآن- أي آلية ذات مصداقية لضمان تنفيذ اتفاقية مكافحة الفساد, بل إنّ عملية التنفيذ تبدو مجرد محاكاة ساخرة وغير فعالة, وقد تستغرق إجراءاتها في الجولة الأولى فقط بين الدولتين لإثبات وجود أصول غير مشروعة أكثر من 15 عامًا.
واستنادًا إلى المبادرة التي قدمتها سويسرا بالقانون الجديد, يستطيع المجتمع الدولي إنجاز تقدّم حقيقي في مكافحة الفساد، إذا ما قامت إحدى المنظمات الدولية المخولة وذات المصداقية والمختصة بالشؤون المالية بوضع المعايير اللازمة وأسّس تقييم أداء البلدان في تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية مكافحة الفساد. وهذه العملية لابدّ أن تعتمد على الدروس الرئيسية من الإصلاحات التي وضعتها سويسرا وانتهجته، والتي تتخلص في أنّ (أفضل وسيلة لتحفيز الدول على مكافحة الفساد هو استغلال رغبتها في حماية سمعتها دوليًا).
------------------------------
طالع ..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء