المغرب.. ثورة ناعمة بمذاق خاص!
ترجمة: حسن شعيب
لم
يكن الشباب المغربي بدعًا من نظرائهم في الدول العربية، حينما طالبوا
بالتغيير والمزيد من الديمقراطية، إلا أنّ المغرب لها أسلوب مميز في سلوك
هذا الطريق؛ حيث وعد الملك محمد السادس بإصلاح دستور البلاد, ثم أتى
التفجير الذي وقع الشهر الماضي في مراكش، وأودى بحياة 17 قتيلًا؛ ليعرقل
هذا التقدم نحو الإصلاح.
على
صفحات "فيس بوك", اتفق نجيب شوقي (32 عامًا)، ومدون من الرباط، وأصدقاؤه،
على أن يتقابلوا قرب مدينة تمارة, على مشارف العاصمة المغربية, وكانت الخطة
أن يجتمعوا يوم الأحد, 15 مايو, للتنزه أمام مقر جهاز المخابرات الداخلي
للبلاد, معبرين عن احتجاجهم على الدولة البوليسية.
وعندما
نتحدث عن مدينة تمارة, وهي المدينة التي لا ترغب الحكومة في الحديث عنها,
نقول: إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والاستخبارات البريطانية كانت
ترتكب داخل هذا المكان عمليات تعذيب وحشية للمشتبه بهم، بعد أحداث الحادي
عشر من سبتمبر, على الأرجح.
ومعربًا عن فخره بما خطط له هو وزملاؤه يقول شوقي: "أردنا أنّ نكشف للعالم أساليب المخابرات غير القانونية في بلادنا".
في
النهاية لم يستطع شوقي وزملاؤه الوصول إلى مبتغاهم, بسبب وحدات الشرطة
الخاصة، الّتي كانت في انتظارهم منذ وقت مبكر, واعتداءات رجال الشرطة ذوي
الملابس المدنية على القادمين من الشباب بالهراوات, ومطاردة مائة ضابط
للشباب والفتيات لمدة ساعتين, حتَّى على أسطح المباني المجاورة, مما أسفر
عن إصابة 10 من المتظاهرين.
عوائق
وبعد
هذه النزهة الفاشلة, تبيَّن أنّ حرية التعبير عن الرأي بشكل علني لا تزال
تحت التهديد, رغم مرور ثلاثة أشهر على دعوة الشباب المغربي لمظاهرات يوم 20
فبراير, المنادية بالتغيير، والمطالبة بمزيد من الديمقراطية في بلادهم.
كما
أنّ هذه الأحداث، التي وقعت يوم 15 مايو تمثل نكسة خطيرة لمسار التغيير,
لأنّ الملك محمد السادس وعد في بداية شهر مارس بإقامة نظام أكثر ديمقراطية
ودولة تحكمها سيادة القانون, وقام كذلك بتعيين المجلس القومي لحقوق
الإنسان، وإنشاء لجنة لوضع دستور جديد, وأعرب عن رغبته في اتخاذ الخطوات
اللازمة لتحقيق التغيير السلمي، الذي لم تتمكن تونس ومصر من تحقيقه إلا
بالإطاحة برؤوس السلطة.
كل
هذا كان قبل انفجار قنبلتين في مقهى "أريجانا" السياحي، الواقع في الساحة
المعروفة بشرم الفناء، في قلب مراكش يوم 28 أبريل, مما أسفر عن مقتل 17
شخصًا, واعتقلت الشرطة على إثرها سبعة مشتبه بهم, منهم بعض المتعاطفين مع
تنظيم القاعدة, وفقًا لمعلومات من وزارة الداخلية المغربية.
وعلى
الفور بدأت أصابع الاتهام تُشير إلى جهاز الاستخبارات في المغرب بتورطه في
هذا التفجير, بعدما ثبت تورطه ـ مسبقًا ـ في الهجمات الانتحارية في الدار
البيضاء قبل ثماني سنوات. وتقول الشائعات: إنّ هؤلاء عازمون على التمسك
بسلطتهم, وقاموا بذلك لإفساد إطلاق الملك سراح مائة سجين في منتصف أبريل,
بما في ذلك العديد ممن أدينوا بأنهم إرهابيون.
جدار الخوف
ومنذ
ذلك الحين, يبدو أنّ الحركة المؤيدة للديمقراطية والتغيير في البلاد تعيش
تحت التهديد مرة أخرى, إلا أنّ الشباب المغربي لن يسمحوا لأنفسهم بالتراجع
عن النزول إلى الشوارع بهذه السهولة. ويقول فهد عراقي, المحرر العام لمجلة
السياسة الحرجة (تل كويل), الّتي تدعم مطالب المتظاهرين: "لقد تجاوزنا جدار
الخوف".
وخلافًا
للثورات المندلعة في البلدان المجاورة, اتضح أن أكبر شكاوى الشباب المغربي
ليست مع النظام الملكي, فهي ليست دعوة للإطاحة بحاكمهم, فممكن لمحمد
السادس أن يبقى على رأس الدولة، إلا أنهم يشعرون بالقلق حيال استمراره في
الحكم بهذه الصلاحيات المطلقة.
وذلك
هو الجانب غير العادي للربيع المغربي؛ حيث إنّ الحركة الثوريّة لا تهدف
إلى الإطاحة بالملك, ومع ذلك فهي ثوره هادئة, في الوقت الذي يرى فيه الملك
نفسه أحد أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم, مما يجعل منه أميرًا
للمؤمنين، وأعلى حاكم علماني في ذات الوقت.
ومع
ذلك فقد سمحت هذه السلطة المطلقة ـ التي يطالب الشباب بتقليصها ـ للملك
بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها, فنجح في إصلاح قانون الأسرة الذي منح
المرأة حقوقًا متساوية, كما سعى نحو المصالحة مع المعارضة اليسارية في
البلاد, الّتي طالما قُمعت بوحشية في عهد والده الحسن الثاني.
مؤشرات إيجابية
على
كل حال، فبعد أن أعلن محمد السادس مراجعة الدستور في الوقت الحالي، فإنه
في المستقبل لن يكون قادرًا على تعيين أي شخص كرئيسٍ للحكومة, بل إنّ رئيس
الحكومة سيأتي من الحزب الذي يفوز بأغلبية الانتخابات الحرة. كما يريد
الملك تعزيز الفصل بين السلطات, ومنح السلطة القضائية الاستقلالية, غيرها
من الإصلاحات, وبذلك أصبحت المعركة ضد الفساد بمباركة الملك.
وقد
أثارت وثائق ويكليكس ـ الّتي كشفت انتفاع بعض المقربين من الملك لإثراء
جيوبهم الخاصة ـ قدرًا كبيرًا من الاستياء بين المغاربة, مما دفع
المتظاهرين الشباب للمطالبة بالتخلص من هؤلاء الانتهازيين. وقد نجح هذا
بالفعل عندما عيَّن الملك عبد السلام أبو ضرار, مؤسس الفرع المغربي لمنظمة
الشفافية الدولية, رئيسًا لوكالة حكومية من شأنها أن تتخذ إجراءات لمكافحة
الفساد.
يُشار
إلى أن (أبو ضرار) حاول مع بعض النشطاء اليساريين في السبعينات قلب النظام
الملكي, ثم أمضى خمس سنوات من عمره في سجن سري في الطابق السفلي من مركز
للشرطة في الدار البيضاء, أما الآن فقد صار المهندس والخبير المالي يعمل
على تسريع الإصلاحات من خلال عمله، جنبًا إلى جنب، مع الملك.
وتعليقًا
على الإصلاحات التي يقوم بها الملك, قال عمر بلفريج, 37 عامًا, والعضو
السابق في الحزب الاشتراكي بالمغرب: إنّه سعيد بالتغييرات التي أدخلها
الملك على الدستور، والتي ستمنح الأحزاب حق المشاركة في تحمل المسؤولية,
مضيفًا: لقد حان الوقت كي يُظهر جيل الشباب من السياسيين "الشجاعة لإحداث
التغيير بعيد المدى في البلاد", مشيرًا إلى أنه لا يشعر بالقلق بشأن
المستقبل، حيث يقول: "إذا كان الإصلاح الدستوري لا يرضينا, فإننا يمكن أن
نرفض ذلك".
---------------------
طالع..المصدر
تعليقات