"صحوة ثقافية" من رحم "الربيع العربي"



ترجمة: حسن شعيب
لم تكن العصي والحجارة تخيفهم, ولا حتى الرصاص الذي كان حكامهم يستخدمونه ضدهم، ولم يكن معهم سوى الكلمة، التي كان وقعها على الأنظمة القمعية، ومن عاونها، كالسياط اللاهبة.
صحيحٌ أن الأيام التي سبقت الربيع العربي, شهدت رجوح كفة القوة العسكرية مقابل سطوة القلم, وكانت الرقابة في الواقع كفيلة بجعل البلاد قاحلة فكريا وثقافيا، ولا غروَ فقد لا تنال كلمة في اللغة العربية من الاحتقار ما نالته كلمة "المخابرات", أو "الشرطة السرية"؛ ذلك أن مجرد ذكر هذه القوة الغامضة يبث الرعب في قلوب شعوب منطقة الشرق الأوسط. أما الآن، وبعد أن ولى عهد هذه الأغلال, وإيذانا ببدء حقبة جديدة من الأمل في مختلف أنحاء المنطقة, يمكن للمرء أن يستلهم نهضة فكرية وثقافية كي تتناسب مع هذه الصحوة السياسية والاجتماعية.
ومن علامات النهضة الثقافية البارزة, انتشار الإنترنت في العالم العربي, والذي يعتبر مقياسا لحب الاطلاع والمعرفة. وقد كشف "سوق دوت كوم", أكبر سوق للتجارة الإلكترونية في العالم العربي في مارس أن قسم الكتب والثقافة سجل 300 في المائة من النمو غير الطبيعي في المبيعات, إلى جانب الآلاف الذين يريدون الكثير من الكتب الجديدة والمستعملة, ولا سيما التي كانت محظورة سلفا على الانترنت.. لقد آن الأوان أخيرا لسماع أصوات قُمعت وكُممت لسنوات طويلة.
وبطبيعة الحال, فإن لهذه القاعدة الكثير من الاستثناءات، من الرجال والنساء الذين استطاعوا أن يجدوا منجى بطريقة أو بأخرى للخروج من هذا الظلم, مثل الفنان الفلسطيني الرائع ناجي العلي الذي كان ينتج باستمرار رسوما تتعدى قيمتها آلاف الكلمات, ونتيجة تصويره اللاذع لسياسات الشرق الأوسط أصابته رصاصة صهيونية غادرة وضعت حدا لتمرده. كذلك الكاتب المصري نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1988, فقد ترجمت أعماله إلى لغات لا تحصى.
وبخلاف ذلك, شهدت الكثير من المكتبات ودور النشر في العديد من الدول العربية حظرا وإغلاقا, وكانت المكتبات التي تنشر الكتب الإسلامية صاحبة النصيب الأكبر والحظ الوافر في هذا الصدد, حيث تم إغلاق الكثير منها أو منعها من نشر كتابات بعينها, كما لم يكن الكتاب المعاصرين  فحسب هم الذين يواجهون الاضطهاد الفكري, بل طال هذا الحظر والاضطهاد الكثير من التراث الثقافي والأدبي.
ولم يسلم الفن الهادف من هذا الاضطهاد, فقد منعت الكثير من الأفلام الوثائقية التي تحكي واقع العرب المرير، من الانتشار, وكان من بينها فيلم وثائقي يتوقع قدوم الربيع العربي بعد ما ذاقته الشعوب العربية من آلام وقمع وفساد, ويقول أحد الفنانين: "كانت هناك رمزية واضحة في السينما المصرية والتونسية بحيث تتمكن من تجاوز الرقابة, إلا أنها وبعد الانتفاضة العربية فسوف تشهد مستقبلا جديدا تماما", وحيث أن الفن أحيانا يحاكي الحياة, كان لزاما على الأنظمة القمعية العربية فرض الرقابة على هذا الفن الهادف لتغيير المجتمع للأفضل.
ذات مرة, قال نجيب محفوظ: "لقد فاز العالم العربي أيضا بجائزة نوبل معي, وأعتقد أن الأبواب الدولية فتحت من الآن فصاعدا, وسوف تنظر جميع شعوب العالم إلى الأدب العربي، ونحن نستحق هذا الاعتراف".
في نهاية المطاف, ونظرا للتغيير الذي يجتاح المنطقة, هناك فرصة قوية كي تستعيد المنطقة ثقلها ومكانتها الثقافية, ومع استبدال هذا الواقع القاسي بالنشوة والسعادة المبكرة من الربيع العربي, فلن تظل هذه النهضة الثقافية قيد الحظر والمنع والرقابة طويلا, بل إن الشعور السائد في المنطقة الآن يرجح ألا عودة إلى الوراء, وقد خرج الجني أخيرا من القمقم. 
--------------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء