حرب المساجد .. تحت راية الحرية!
ترجمة: حسن شعيب
تعود
قصَّة هذه الحرب إلى العام الماضي عندما عزم بعض المسلمين في بلدة
مورفريسبورو, التي تضم 110 آلاف مواطن أمريكي في جنوب غرب مدينة ناشفيل
بولاية تينيسي, على بناء مسجد يتناسب مع حاجتهم.
وطوال
20 عامًا أو أكثر, كانت العائلات المسلمة التي يبلغ عددها ما يقرب من 250
أسرة، تقيم شعيرة الصلاة في أماكن مؤقتة, وقد رأى قادة المسلمين هناك,
أطباء وأساتذة وتجار سيارات, أن بإمكانهم تقديم ما هو أفضل من ذلك، فقاموا
بشراء قطعة أرض مساحتها 15 فدانًا، وحصلوا على موافقة لجنة التخطيط بمقاطعة
رثروفورد لبناء مركز اجتماعي على مساحة 53 ألف قدم مربع من الأرض.
ثم اندلعت الفوضى التي عمَّت أماكن عديدة في أنحاء البلاد مؤخرًا.
وإن كانت هذه القصة هي عود الثقاب الذي أشعل النار في الهشيم, فإن الناشطين المحافظين هم من أجَّجوها
باحتجاجاتهم ضد بناء مسجد كبير في مدينتهم الجنوبيَّة الهادئة, حيث انتقدت
مرشحة جمهورية للكونجرس بناء هذا المسجد, بالإضافة إلى إضرام متطرفين
النار في جرَّافة مقاول البناء (غير مسلم), وتقدّم مجموعة من السكان بدعوى
تشكك في قانونيَّة إصدار ترخيص للبناء, زاعمين أنهم سيعانون من "اضطراب
نفسي وعاطفي" إذا ما اضطرّوا للعيش بالقرب من مسجد.
أما
ما حدث بعد ذلك فلم يكن متوقعًا, إلا أنه كان لا بد من وقوعه في بلد تقابل
حرية التدين المنصوص عليها في الدستور بكل إجلال واحترام: حيث التفَّ معظم
أهالي بلدة مورفريسبورو حول المسلمين, وشكَّل رجال الدين المسيحيين مع أحد
الحاخامات اليهوديين لجنة دعم لبناء المسجد، ثم نظّمت جلسات حواريَّة
وتثقيفيَّة جماعيَّة, وبذلك خسرت مرشحة الكونجرس الجمهوريَّة سباقها الأول.
وقد
كان من بين أهم مؤيِّدي بناء المركز الإسلامي في مورفريسبورو رئيس مقاطعة
روثرفورد المنتخب, والمزارع الجمهوري والمدير التنفيذي المتقاعد للرعاية
الصحيَّة, آرنست بورجس, والذي أخبرني الأسبوع الماضي بأن "الأمر مسألة
مبدأ, وعندما توليتُ منصبي هذا، وعدتُ من انتخبني بأنني سأتمسك بدستور
الولايات المتحدة وولاية تينيسي, وهذه نهاية القصة برغم قلقي البالغ".
وفي
خطوة قد تنذر بتحوُّل كبير على الصعيد المحلي, تشاورت القوى المناهضة
للمسجد مع المجموعات القومية المحافظة لتنظيم الاحتجاجات ضدّ مشروع بناء
المسجد, إلى جانب جلبها لناشط محافظ من واشنطن, وهو فرانك جافني, المسئول
السابق في إدارة الرئيس ريجان, للإدلاء بشهادته أمام المحكمة بأن
الأمريكيين المسلمين, بمن فيهم المقيمون في مورفريسبورو, يريدون فرض
الشريعة الإسلاميَّة على الولايات المتحدة, وأن المسجد المقترح (عبارة عن
صالة للألعاب الرياضيَّة وحمام سباحة) جزء من "شبح الجهاد".
أما
جو براندن, محامي المدعين, فقال: "أنا على استعداد لحمل هذه القضية إلى
المحكمة العليا إذا توجَّب ذلك", مضيفًا: "أتلقَّى الكثير من المساعدة.. لم
أكن أعرف شيئًا عن الإسلام أو الشريعة الإسلاميَّة حتى هذه القضية، لكني
عرفت عنهما الكثير منذ ذلك الحين".
وباختصار,
فإن ما بدأ بوصفه قضية تقسيم للمناطق المحليَّة كليًّا، والتي بدت قابلة
لكل الافتراضات, حيث أن القانون الاتحادي يسمح للطوائف الدينيَّة بناء دور
العبادة في أي مكان, أصبحت محورًا لمعركة يستغلُّها المعارضين لإضفاء روح
القوميَّة عليها, وهذا ما يؤكِّده بورجس، قائلا: "أعتقد أن هذا الجدل إذا
تم السيطرة عليه محليًّا, كان من الممكن أن ينتهي الآن".
من
جانبه, رفض براندون فكرة التحريض الخارجي, مشيرًا إلى أن التبرعات
القوميَّة لمتابعة القضيَّة لم يتمّ الاستعانة بها, لكنه أقرَّ بأن بعض
المجموعات القوميَّة، مثل مركز جافني للسياسة الأمنيَّة، ساعده كثيرًا في
قضية بناء هذا المسجد.
وتتلخص
حجة جافني في الآتي: أن المسلمين الملتزمين يريدون أن يعيشوا في ظلّ
الشريعة الإسلاميَّة, وأن هذه الشريعة التي لا تعطي للمرأة حقوقها بشكلٍ
متساوٍ أمر يتنافى مع القانون الأمريكي, زاعمًا أن الإسلام المنظم يتآمر
لتحلّ الشريعة الإسلاميَّة محلّ القانون الأمريكي، وهو ما يسميه بالفتنة.
وأضاف
براندون: "ما يجري في مورفريسبورو, يندرج تحت ملف شبح الجهاد الذي
تتبنَّاه جماعة الإخوان المسلمين" مدعيًا: "من الواضح أن بناء هذا المسجد
الكبير لا يتناسب مع المجتمع هناك, وأن الهدف من بنائه مجرد إثبات انتصار
أجندة المسلمين بشكلٍ ما", إلا أنه أقرَّ بأن مسلمي مورفريسبورو لم يفعلوا
في الواقع أي أمر مثير للفتنة!
بيد
أن القضية المرفوعة ضدّ مسجد مورفريسبورو من الصعب أن تنجح لانتفاء أدنى
تحريض من جانب المسلمين، ولأن الادعاءات ضدهم لن تصمدْ في أي محكمة وفقًا
لقانون الحقوق, وحتى لو فاز براندون فإن أكثر ما يمكن أن يحصل عليه هو
إعادة النظر في رخصة البناء.
في
نهاية المطاف, حتى لو مُنيت هذه الدعوى القضائيَّة بهزيمة مدوية في
المحكمة, فإنه من غير المرجَّح أن تنتهي محاولات وقف بناء المساجد, وهذا ما
يتطلع إليه جافني, شاهد إثبات القضية, قائلا: "إن الاحتجاجات في أنحاء
البلاد في غاية الأهمية" مشبها الأزمة بـ "الحرب الباردة والصراع ضدّ
الشيوعيَّة"!
--------------------
طالع...المصدر
تعليقات