روجر كوهين.. قلمٌ مُنصف
ترجمة: حسن شعيب
قد
تبدو مهمة يسيرة أن تكتب مقالا تُعبِّر فيه عن تأملاتك وآرائك بشأن بعض
القضايا من هنا أو هناك, إلا أن براعة الكاتب وتميزه يظهران جليا في قدرته
على إثارة اهتمام وتقدير القراء, حتى يصل بهم الحد إلى انتظار رأيه في قضية
ما، وقراءة ما يكتب بإمعان, وربما يتعدى تميزه هذا نطاق وطنه، إلى العالم
بأسره.
وهذا
ما ينطبق على "روجر كوهين", الكاتب البريطاني, الذي لفت الأنظار على
الصعيد العالمي والعربي فيما يتعلق بآرائه المعتدلة حول القضايا الشائكة
على الساحة, لا سيما قضية فلسطين، والتمييز الذي يعاني منه المسلمون في
أمريكا والغرب، والثورات التي تشهدها المنطقة العربية مؤخرا، وغيرها.
مولدٌ ونشأة
وُلِد
في عام 1955 في لندن، لعائلة يهودية, بعد أن هاجر أبويه من جنوب إفريقيا
في أوائل الخمسينيات. والتحق، في أواخر الستينات، بمدرسة "وستمنستر"،
الخاصة, ثم بكلية "باليول" في جامعة أكسفورد, وحصل على الماجستير في
التاريخ والفرنسية عام 1977, ثم سافر في نفس العام إلى باريس لتعليم اللغة
الإنجليزية، والكتابة لصحيفة "مترو باريس"، بعدها عمل لوكالة رويترز التي
نقلته إلى بروكسل.
وفي
عام 1983, انضم كوهين إلى صحيفة وول ستريت جورنال البريطانية في روما
لتغطية الاقتصاد الإيطالي, وقد نقلته الصحيفة لاحقا إلى بيروت. وفي عام
1990 انضم كوهين إلى فريق عمل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، حيث عمل
مراسلا لأكثر من عقد قبل أن يصبح محرر الشؤون الأجنبية بالإنابة في 2001.
ومنذ عام 2004، خصصت له صحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبيون" عمودا خاصا في
صفحة الأخبار ابتداء، ثم انتقل إلى صفحة الرأي منذ عام 2007، قبل أن يصبح
صاحب عمود رأي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عام 2009.
مؤلفاتٌ وخبرة
قام
روجر كوهين بتأليف عدة كتب يُلَخِّصُ فيها بعض ما شاهده في رحلاته، وما
قام به من تغطيات صحفية، ومنها كتاب "ملاحم سراييفو: قلوب وحشية" عام 1998،
الذي يصف فيه الدمار الذي شهدته حروب يوغوسلافيا، كما قام بتأليف كتاب
"الجنود والعبيد: الأسرى الأمريكان في أيدي النازي جامبل", عام 2005),
بالإضافة إلى مشاركته في تأليف كتاب "في عين العاصفة" الذي يروي سيرة
الجنرال نورمان شوارزكوف, وهو جنرال أمريكي متقاعد, في عام 1991.
وتميزت
كتابات "روجر كوهين" بالانعتاق من الأكليشيهات التقليدية المبتذلة، التي
يألفها كثير من كتاب الأعمدة والمقالات, وهذا يرجع إلى خبرته الصحفية
الكبيرة؛ فعندما تنظر إلى جواز سفره تكتشف أنه عمل كمراسل صحفي في عدة دول
مثل قبرص واليونان وتركيا ولبنان وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا والبلقان
وألمانيا والبرازيل والأرجنتين وباراغواي وتشيلي وبيرو وفنزويلا...
إنصاف فلسطين
عندما
تقرأ لروجر كوهين تشعر بروح "الإنصاف" تتخلل ثنايا كلماته, وهذا ما تجلى
بشدة في كتاباته حول الشرق الأوسط، وبوجه خاص "الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي", ومن ذلك قوله عن إسرائيل، إنها "تتسبب في عزل نفسها سياسيا عن
العالم الخارجي بسبب تصرفاتها العدوانية ضد الفلسطينيين, وأنني ألمس عداء
في كل بقاع العالم تجاهها", أيضًا قوله: "أرى أن من بين إخفاقات السياسة
الخارجية لإدارة أوباما، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
تجميد بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وهذا بطبيعة الحال لا يخدم
دولة فلسطين المفترضة، التي لا تفتأ أراضيها تتآكل". وأيضًا: "إذا ما
اعتبرنا أمريكا شركة تأمين لإسرائيل، فإن ضمان أمن "إسرائيل"، أمر منطقي
بالنسبة لأمريكا, أما غير المنطقي أن تموّل أمريكا السياسات الإسرائيلية
التي تقوّض الأهداف الاستراتيجية الأمريكية, مضيفا: "إن الادعاء بوجود خطر
يهدد وجود إسرائيل، ادعاء مفرط في المبالغة, فالمسألة ليست قصة "اليهودي"
الضعيف الذي يواجه "العربي" العملاق, بل الواقع يقول إن إسرائيل أقوى دولة
في المنطقة، ومدججة بشتى الأسلحة، ناهيك عن النووية منها".
ضد التمييز
وفي
مقال تحت عنوان "أسوأ استغلال للدين" حذر كوهين من حجم التمييز عنصري الذي
يواجهه المسلمون في الولايات المتحدة وأوربا, حيث قال: "لقد أراد تيري
جونز، قس كنيسة فلوريدا، الذي نظم عملية حرق القرآن، أن يثير فتنة, لكنه لا
يملك أي تبريرات, بل هو متعصب لا يمكن مناقشته, والغريب في الأمر أنه ليس
وحده في حملة الإسلاموفوبيا, التي تُشَنّ في الولايات المتحدة، وهو ما يثير
قلقا بالغا". ويضيف: "قضيت فترة من الوقت في العام الماضي مع راعي كنيسة
في أوكلاهوما، وهي ولاية ينتشر فيها الإسلاموفوبيا, فقال لي إن المسلمين
"ليسوا هنا للتعايش، بل للسيطرة", وهذه هي نوعية الرسائل التي تخرج من كثير
من الكنائس في الولايات المتحدة, إنه أمر خطير. كما تنتشر في أوروبا كذلك
ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث يقود السياسيون اليمينيون تعصبا انقساميا معاديا
للمسلمين، وقد حققوا في ذلك بعض النجاح.. إني أشعر بالاشمئزاز من هذه
الفِعال".
دعم الثورات
أما
فيما يتعلق بالثورات التي اندلعت في منطقة الشرق الأوسط, فقد كان لكوهين
رأيه المتميز بشأن حصول الشعوب العربية على حريتها, حيث قال: "الديمقراطية
شيء يُقبَل كاملا أو يُترَك بالكلية، ولذا أحبها. إن الشعوب في الشرق
الأوسط تولد من جديد، فقد اكتشفوا قدرتهم على التغيير، وتولدت داخلهم كلمة
"كفاية", وتلك هي الطريقة التي بدأ بها الربيع العربي في 17 ديسمبر (في
بلدة سيدي بوزيد الصغيرة في تونس - عندما قال بائع فاكهة متجول: "كفاية"
إذلال وإهانة" .... "وبعد ثلاثة أشهر من هذا الحادث, لم يخرج الجنّي من
القمقم فحسب، بل حطمه وأقسم ألا يعود إليه مرة أخرى. لقد انتهت كل عقود
القمع، وانتهت عصور الدول البوليسية في القرن الحادي والعشرين, ونعم، لسقوط
نظام بن علي ومبارك, ولا بد أن ينتهي الأمر بالنسبة للقذافي كذلك بكل
تأكيد"... "في الوقت الحالي باتت الشعوب تعرف كيف تتواصل خلال حظر التجول،
وأصبحوا فطنين لدور "فيس بوك"، وقد فات الأوان على الطغاة الذين باتوا
محاصرين داخل شبكة علاقتهم الخاصة، وأصبحوا الآن يلومون أنفسهم، إلا أنه لم
يعد هناك مجال للرجوع".
حصادٌ حلو
من
الطبيعي أن يحصد قلم هذا شأنه جوائز تشهد على تميزه، وبالفعل حصل كوهين
على جائزة "بيتر ليتز" وجائزة "أرثر اف بيرنز" من جامعة هارفارد, كما حصل
على جائزة نادي الصحافة في الخارج لتغطيته الصحفية لديون العالم الثالث في
عام 1987, كما حصل على جائز نقابة الصحفيين الأمريكية لتميزه في الكتابة.
------------------
تعليقات