الربيع العربي.. بين الثورة والاحتواء!
ترجمة: حسن شعيب
انتهت
المرحلة الأولى من الربيع العربي, وبدأت المرحلة الثانية؛ وهي عبارة عن
محاولة احتواء أو سحق الحركات الشعبية الحقيقية الأصيلة.
نتيجة
لتجربة مريرة مع الاستعمار (الأنجلو- فرنسي), بعد الحرب العالمية الثانية،
تشكل المشهد السياسي العربي، على هيئة مزيج من الممالك العميلة,
والدكتاتوريات القومية المنحلة، وإمبراطوريات البترول المعروفة باسم دول
الخليج، ونتيجة لذلك تكونت الراديكالية القومية العربية المناهضة للاستعمار
والصهيونية المتمددة داخل الإطار الأوسع للحرب الباردة.
وبعدما
وضعت الحرب الباردة أوزارها, بدأت واشنطن تقوم بدور في المنطقة, بداية عبر
حكام محليين مستبدين، ثم من خلال القواعد العسكرية، وأخيرًا عن طريق
الاحتلال المباشر. وبطبيعة الحال, لم تدخل الديمقراطية مطلقًا في هذا
الإطار, حتى يتسنى للإسرائيليين أن يتفاخروا بأنهم وحدهم واحة النور في قلب
الظلام العربي!
لكن كيف تأثر كل هذا بالانتفاضة العربية، التي انطلقت قبل نحو أربعة أشهر؟
في
يناير الماضي, دوى في جنبات الشارع العربي هتافًا واحدًا، كان بمثابة
مقياس لوحدة الجماهير، بغض النظر عن الطبقة أو العقيدة: وهو "الشعب يريد
إسقاط النظام"! وتدفقت صور استيقاظ الشعوب العربية- من تونس إلى القاهرة،
ومن ليبيا إلى صنعاء- من سباتها العميق, ووقوفها على أقدامها من جديد.
وكانت النتيجة أن فر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأسرته إلى
المملكة العربية السعودية يوم 14 يناير, وأطاحت الثورة المصرية بالديكتاتور
حسني مبارك يوم 11 فبراير، ثم اندلعت الثورات الشاملة في ليبيا واليمن
وغيرهما.
ومؤخرًا,
خرج المتظاهرون, في العراق المحتل, يحتجون على فساد نظام المالكي، وينادون
بخروج القوات الأمريكيّة وقواعدها, كما اهتزت المملكة الأردنية بسبب
المعارضة القوية على الصعيدين الوطني والقبَلي, وحتى اللحظة التي أكتب
فيها, مازال النظام البعثي الوحشي الفاسد في سوريا
يكافح من أجل البقاء، في مواجهة شعب انتفض على القمع والظلم. وكان السبب
في هذه الانتفاضات عاملين أساسيين: أولاهما اقتصادي, حيث ارتفاع معدلات
البطالة, والتهاب الأسعار وندرة السلع الأساسية, وثانيهما سياسي: حيث
انتشار المحسوبية والفساد والقمع والتعذيب.
وقد
أعربت الولايات المتحدة, على لسان نائب رئيسها جو بايدن، في وقت سابق، عن
قلقها صراحة من الثورات العربية, وبخاصة 25 يناير في مصر، التي تعتبر أحد
الركائز الأساسية لاستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة, ولا ريب أن خوف
نائب أكبر دولة في العالم يرتبط هنا بأمن إسرائيل, حيث يخشى بايدن أن
تُفرز الثورة المصرية حكومة ديمقراطية تتراجع عن معاهدة السلام مع تل أبيب,
إلا أنّ واشنطن نجحت حتى الآن في تغيير مسار العملية السياسية بعناية، إلى
وزير الدفاع المصري ورئيس هيئة الأركان, وهو على وجه الخصوص مقرب من
الأمريكيين.
قد
تكون الحركة الثورية الشعبية في كل من تونس ومصر لا تزال متيقظة، إلا أنّ
ما تم تحقيقه حتى الآن لا يربو على أن يكون بعض الإصلاحات السياسية، التي
لا تعبر أبدًا عن الإرادة العامة، وبذلك تكون المرحلة الأولى من الربيع
العربي قد انتهت, وبدأت المرحلة الثانية من تراجع هذه الانتفاضات والحركات.
أما
عن ليبيا, فقد كان قصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) لها بمثابة محاولة من
الغرب لاستعادة "الديمقراطية" بعد الإطاحة بالطغاة في أماكن أخرى, إلا أنّ
الأمر ازداد سوءًا؛ فهذا التدخل الغربي كبَّد الشعب الليبي خسائر جسيمة،
وقتل مئات من الجنود, كثير منهم كانوا يقاتلون تحت الإكراه, وسمح لمعمر
القذافي (السفاح) بأن يبدو مستعمرًا.
وهنا
يتعين على المرء أن يقول إنه مهما كانت النتيجة النهائية في ليبيا, فإنّ
الشعب الليبي هو الخاسر الأكبر, فإما أن تظل البلاد في حالة انقسام؛ دولة
للقذافي وأخرى لمعارضيه, أو أن يسيطر الغرب على ليبيا بأكملها, ويضع يده
على احيتاطياته النفطية الضخمة, وهذا العرض من "الديمقراطية" المفصلة على
ليبيا فحسب لا تشمل أماكن أخرى في المنطقة.
وفي
سوريا, برغم أنّ الأجهزة الأمنيّة التي تقودها عائلة الأسد تقتل كما تريد,
لكنها غير قادرة على سحق حركة الديمقراطية, نظرًا لأنّ المعارضة ليست تحت
سيطرة الإسلاميين: لكنها تتكون من ائتلاف واسع يشمل كل الطبقات الاجتماعية،
فيما عدا الطبقة الرأسمالية، التي لا تزال موالية للنظام, وخلافًا لكثير
من الدول العربية الأخرى, فلم يغادر العديد من المثقفين السوريين البلاد,
وظلوا يعانون من الاعتقال والتعذيب, ولا يريد أي منهم التدخل العسكري
الغربي, حتى لا يتكرر ما حدث في العراق أو ليبيا, وربما تفضل إسرائيل
والولايات المتحدة, في الوقت الحالي, بقاء الأسد مثلما كان مبارك, إلا أنّ
الأمر لم يتم حسمه بعد.
ولا
يمكننا أن ننسى اليمن, التي بدأت فيها الثورة منذ ثلاثة أشهر ولازالت
مستمرة، رغم مقتل المئات من المواطنين, وانقسام الجيش, وسعى الولايات
المتحدة ـ جاهدة ـ بمساعدة بعض دول الخليج للخروج من المأزق، دون إلحاق
الضرر بمصالحها في المنطقة، ومقاومة المتظاهرين الشرسة لكل محاولات
الالتفاف على مطالبهم.
لذلك
ينبغي على الولايات المتحدة أنّ تتعامل بشكلٍ جديد مع البيئة السياسية
المتغيرة في العالم العربي, كما أنّه من السابق لأوانه التكهن بالنتيجة
النهائية بشكل العالم العربي الجديد، وبأيدي من سيتم صياغته مستقبلاً, حيث
أنّ الثورات لم تنته بعد، ولم تؤت ثمارها كاملة في مصر وتونس, اللتان
استطاعتا الإطاحة بنظاميهما الاستبداديين.
------------------
طالع..المصدر
تعليقات