المغرب .. الإصلاح أو السقوط!



ترجمة: حسن شعيب
حينما بدأت حركة الاحتجاجات في المغرب يوم 20 فبراير, اختار الملك محمد السادس أن يتجاهلها؛ صحيحٌ أنه تحدث في اليوم التالي عن تسريع عجلة الإصلاحات, إلا أنه غضَّ الطرف عن دعوات التغيير الجذري, مما أغضب النشطاء المؤيدين للديمقراطية, فتعهدوا بالعودة للتظاهر مجددا. وفجأة غيّر العاهل المغربي مساره يوم 9 مارس عندما دعا إلى إصلاح جذري للدستور, ملبيا بذلك المطلب الرئيس للمتظاهرين, كما وعد الملك بأن يصبح البرلمان والقضاء أكثر استقلالا, وتعهَّد بتفويض السلطة إلى المجالس الإقليميَّة, ومنح رئيس الوزراء نفوذًا أكبر, ومنح البربر, المعروفون باسم "الأمازيغ", المزيد من الحقوق.
وبين عشيةٍ وضحاها أصبح قادة المغرب السياسيين ورؤساء تحرير الصحف المعروفين بطاعتهم للملك- والذين استهزؤوا في البداية بمن طالبوا بدستور جديد بوصفه خطرا على البلاد- أكثر حرصا على البلاد من الإصلاحيين, فأثنوا على تشكيل لجنة برئاسة أحد رجال القانون لوضع مسودة لمشروع الدستور الجديد بحلول يونيو القادم, حتى يتم إقراره في استفتاء يجرى في سبتمبر, بوصفه دليلًا على أن المغرب سيخضع لـ "الثورة السلميَّة".
وفي الخارج, هرع حلفاء الملك لتهنئته, حيث وصف آلان جوبيه, وزير الخارجيَّة الفرنسي, خطاب الملك المغربي بـ "الشجاعة ونفاذ البصيرة", كما أشادت هيلاري كلينتون, وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة, بمقترحاته, قائلة إن المغرب "في سبيله لتحقيق التغيير الديمقراطي", ووفقا لما قاله رئيس الوزراء, عباس الفاسي فقد أكَّد الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني خلال جولته الأخيرة في المغرب "أن المغرب مستقرٌّ".
ومن اللافت للنظر أن هذا الوعد بالإصلاح الدستوري لقي ترحيبًا واسعًا من المغاربة, ربما لفترة من الوقت, تفاديًا للاضطرابات التي اجتاحت معظم أنحاء المنطقة, إلا أن المتظاهرين واصلوا نزولهم إلى الشوارع بأعداد كبيرة في نهاية  كل أسبوع منذ 20 مارس, حيث يقول الكثير من المحتجين إن اللجنة المعنية بوضع الدستور والتي كلفها الملك بذلك قد تعيد تأكيد سلطته التنفيذية, مؤكدين أن ما يجعلهم يتنفسون الصعداء أن تكون الملكيَّة في المغرب في المستقبل القريب على غرار المملكة الاسبانية أو البريطانيَّة.
وبرغم أن معظم المتظاهرين يعبرون عن احترامهم لشخص الملك, فقد تصاعدت الانتقادات للأسلوب الذي يدير به نظام الحكم الملكي, لا سيَّما تركز الكثير من السلطة في دائرة قصره, إلى جانب تزايد الشكاوى تجاه العائلة المالكة بأنها تمتلك مقدرات البلاد, حيث أن الشركة الوطنية للاستثمار التابعة للعائلة المالكة, والمعروفة بـ " إس إن إي" تسيطر على أكبر بنك في المغرب, وشركة التأمين, ومنتجات الألبان وشركات الغذاء, فضلًا عن مساحات كبيرة من العقارات، بالإضافة إلى ممارساتها المناهضة للتنافسية, كما يعيب المحتجون على سياسات الملك الثقافية؛ ومنها الدعوة إلى مهرجان موازين, وهو احتفال موسيقي سنوي يعقد في العاصمة "الرباط", مطالبين بإلغائه بسبب التكاليف الباهظة.
ومن نافلة القول, إن مثل هذا النوع من الانتقاد الصريح, على نطاق واسع, للمملكة المغربية يمثل في حد ذاته ثورة صغيرة, أما الأحزاب السياسية الرئيسية, التي كانت قيادتها تميل في السابق إلى الخنوع لكل ما يقوله الملك، فقد نالت قسطا ليس بالقليل من انتقادات المحتجين, كما ظهر على الساحة من جديد الصحفيين الذين كانوا في المنفى أو مُنِعوا من النشر من قبل الحكومة في السنوات الأخيرة على الانترنت, بتدشين مواقع الكترونية متعاطفة مع المتظاهرين, ومنها ما قام بكشف سلسلة من فساد منصف بلخياط, وزير الشباب والرياضة.
وكالنار في الهشيم انتشرت مبادرات المواطنين ضد المجالس المحلية والشركات المتهمة بالفساد, لذلك فربما تؤدي مبادرة الملك الدستورية إلى اختراق العديد من المؤسسات أملا في بداية عهد جديد كما في عام 1999, أما إذا لم تستطع التعديلات الدستورية فعل ذلك وتم تأجيلها, فسوف تندلع موجة احتجاجات أكثر غضبًا في سبتمبر. من أجل ذلك صارت الأشهر القليلة القادمة حاسمة بالنسبة لبقاء الملك المغربي. 
--------------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء