دستور تركيا الجديد
ترجمة: حسن شعيب
رغم
أن ما أحرزته تركيا من نفوذ سياسي واقتصادي, دولي وإقليمي، لا يخفى على
أحد، إلا أنها ما تزال مصرة على المضي قدمًا في طريقها نحو القمة، وسعيًا
لذلك تعهد حزب العدالة والتنمية الحاكم بوضع دستورٍ جديد لتركيا بدلًا من
الدستور الحالي الذي أُعد في عام 1982 عقب الانقلاب العسكري.
وضوح وشمول
جاء
ذلك خلال كلمة ألقاها رجب طيب إردوجان, رئيس الحكومة التركية، وزعيم حزب
العدالة والتنمية, وأعلن فيها برنامجه الذي سيخوض به انتخابات يونيو
القادم, حيث قال تعهد بالعمل على "تخفيض البطالة وبناء مساكن الفقراء
وتحقيق مزيد من الإصلاحات الاقتصادية، التي كانت سببا في نقل تركيا من
اقتصادٍ ضعيف إلى اقتصاد مستقر سريع النمو", وفي سبيل ذلك، يحتاج الحزب إلى
تفويض قوي يسمح له بطرح دستور جديد ليحل محل الدستور الحالي، لدعم
الديمقراطية والحريات.
وحسب
ما قاله إردوجان فإن الدستور الجديد, الذي سيتم إعداده خلال السنوات
الأولى من برنامجه الانتخابي "سيكون قصيرا وواضحا ويستند إلى خدمة المواطن
وتحصيل حقوقه, وليس إلى مصلحة الدولة على حساب المواطن", كما وعد بتسوية
جميع المشاكل السياسية وفي صدرها قضيتي الأكراد والعلويين, قائلا: "لن يكون
هناك أي خوف من تناول هذه القضايا السياسية الشائكة".
يُشار
إلى أن اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد قامت بإدخال تغييرات جذرية
على تعريف مفهوم سيادة القانون في مشروع الدستور الذي يجري إعداده في الوقت
الحالي, ومن هذه التغييرات المذكورة ما ورد بشأن إعادة صياغة قانون
الأحزاب السياسية والانتخابات, وهو ما تنادي به منظمات الدفاع عن حقوق
الإنسان التي تقول إن القانون الحالي لا يوفر مناخا ديمقراطيا داخل
الأحزاب.
تشريع الحجاب
جديرٌ
بالذكر أن من بين التعديلات الأساسية الموجودة في مسودة الدستور الجديد
قضية رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات, حيث كشف أرجون أوزبدون رئيس
لجنة صياغة الدستور الجديد أن المشروع يتضمن تغييرات جذرية بينها السماح
لطالبات الجامعات بارتداء الحجاب, حيث تنص المادة الجديدة على أنه "لا يجوز
حرمان أحد من حق التعليم العالي بسبب الملابس التي يرتديها.. ليس هناك أي
قيود على أي نوع الملابس في مؤسسات التعليم الحالي"، أو قد تصاغ على هذا
النحو " توجد حرية في اختيار الملابس داخل دور التعليم العالي".
يُشار
إلى أن المادة الموجودة في الدستور الحالي فيما يخص الحجاب تنص على أنه لا
يحق للنساء اللواتي يرتدين الحجاب دخول مؤسسات التعليم العالي, لذا من
المتوقع أن تثير هذه المادة الجديدة استياء غالبية العلمانيين في تركيا،
ممن يزعمون أن الحجاب أحد الوسائل التي يستغلها الإسلاميين لتعزيز شعبيتهم,
الأمر الذي ربما يسبب مشاكل جمة لحزب العدالة والتنمية الحاكم, لاسيما بعد
وصف لجنة عمداء الجامعات أي محاولة لرفع حظر الحجاب بأنها "غير شرعية".
وداعًا أتاتورك
وذكرت
بعض الصحف التركية أن مسودة الدستور تضمنت طلب رفع الأيديولوجيا
الأتاتوركية من الدستور الحالي لتناقضها مع الدولة الحديثة، وإلغاء عبارة
الوطنية الأتاتوركية، وإلغاء عبارة الارتباط بأتاتورك ومبادئه من اليمين
البرلمانية، كذا مفهوم الدولة القومية الذي لا يتناسب مع روح الديمقراطية.
ومن
بين الأشياء المطروحة للتعديل بقوة في الدستور الجديد: اللغة؛ حيث يتوقع
تغيير عبارة "التركية هي لغة الدولة" إلى "التركية هي اللغة الرسمية", فعلى
سبيل المثال, لا تسمح القوانين الحالية في تركيا بتعليم اللغة الكردية
مثلا إلا في الدورات التعليمية الخاصة.
ورغم
شكوى بعض النقابات العمالية من عدم إشراك المجتمع المدني في صياغة الدستور
الجديد, حيث قال رئيس اتحاد نقابات العمال "نريد تغيير الدستور القديم،
لكننا حُرِمنا من المشاركة في النقاش حول تغييره، يجب أن تكون العملية
مفتوحة للجميع", إلا أن الحكومة تعهدت بطرح الدستور الجديد للنقاش العام
بعد فراغ اللجنة المسئولة عن صياغته من إعداد المسودة الأولى.
معادلة صعبة
وبرغم
أن الكثير من الأتراك يريدون وضع دستور مدني جديد بدلا من الدستور الحالي
(المعمول به منذ ثلاثة عقود), فقد ظهرت على السطح بوادر الخلاف بين
الإسلاميين والعلمانيين على خلفية التغييرات الدستورية التي يريد حزب
العدالة والتنمية إدخالها، بل اتهم سياسيون من أحزاب المعارضة العلمانية
الحكومة التركية بمحاولة وضع "بصمة إسلامية" على الدستور الجديد.
ومن
أجل أن تصبح تركيا بين "أقوى عشر اقتصاديات في العالم", طرح إردوجان في
برنامجه الجديد عدة مشاريع ضخمة وطموحة, ومنها إنشاء مستشفيات ضخمة, يقع كل
منها على مساحة لا تقل عن مليون متر مربع, وجعل التعليم إلزاميًا
ومجانيًا، وخفَّض معدّل البطالة إلى ما دون 5 بالمائة, بالإضافة إلى رفع
حجم الاقتصاد من 75 بليون دولار, في الوقت الحالي, إلى 2 تريليون دولار،
بحيث يصل معدل دخل الفرد إلى 25 ألف دولار.
كما
وعد إردوجان بتنفيذ عشرات المشروعات المعمارية الضخمة, من بينها توفير
الدعم لإسكان كل المتزوجين حديثا, وبناء مليون وحدة سكنية للعائلات
الفقيرة.
هذا
هو المشروع النهضوي المتكامل الذي يتقدم به حزب العدالة والتنمية لتركيا
المستقبل، بينما يسعى إردوجان بقوة من أجل تنفيذه بكل ما أوتي من قوة، إلا
أنه يحرص على أن يحدث هذا دون الاصطدام مع من يعارضوه سواء المؤسسة
العسكرية أو العلمانيين.
--------------------
تعليقات