إعادة رسم خريطة المنطقة
ترجمة: حسن شعيب
طالع..المصدر
يبدو
أن الخريطة الإقليميَّة لمنطقة الشرق الأوسط ستشهد إعادة ترسيم، بعد
اندلاع الانتفاضات الشعبيَّة من أجل الحصول على الحرية, بما يبتعد كل البعد
عن اتفاقية سايكس بيكو (1916) وغيرها من الاتفاقات, التي تقسِّم منطقة
الشرق الأوسط إلى دول منفصلة.
هذا
عن الأخبار الجيدة، أما الأخبار السيئة فتكمن في احتماليَّة أن تشهد خريطة
الشرق الأوسط في السنوات المقبلة دولا جديدة مثل جنوب السودان وكردستان
وفلسطين، وربما برقة أيضًا في شرق ليبيا, والصحراء الغربيَّة في المغرب,
وجنوب اليمن, بل من الممكن أن تنقسم سوريا إلى ثلاث دول للسنة, والعلويين،
والدروز، وبالطبع تراقب إسرائيل عن كثب هذا التشرذم والانقسام وكيفيَّة
الاستفادة منه؛ ذلك أن السياسة الخارجيَّة الإسرائيليَّة, حتى قبل قيام
الدولة, كانت تتكئ دومًا على اصطناع وإذكاء روح المشاحنة بين الدول
العربيَّة ونظيراتها الإسلاميَّة المجاورة، وحدوث انقسامات أكثر في
المستقبل يعني سهولة المناورة بالنسبة لإسرائيل.
بيدَ
أن إسرائيل والغرب مرتاعان فعلا مما يحدث في البلدان العربيَّة من ثورات
وانتفاضات شعبية، قد تُفضي في النهاية إلى زوال كثير من عملائهما في
المنطقة؛ لذا سارع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز إلى تحذير من أن
"التغييرات الجذريَّة في العالم العربي تتطلَّب بذل كل الجهود الممكنة
لتجديد محادثات السلام على الفور"!
لكن
الغرب وصنيعته – إسرائيل- ينظرون إلى تداعيات هذه الثورات، وغيرها من
الأحداث التي شهدتها المنطقة في العقد الأخير, آملين أن تزيد من انقسام
الدول العربيَّة والإسلاميَّة إلى دويلات ومن ثم إضعاف شوكتها، راجين أن
يتمَّ رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط في القرن 21 بشكلٍ مختلف, سواء عن طريق
الحروب أو الانقسامات, يكمل ما بدأه الغزو الأمريكي للعراق قبل ثماني
سنوات, حيث استطاع أن يسحق النظام المركزي, ويكون مناطق عرقيَّة متنازعة
بدلا منه, وما حدث مؤخرًا من استفتاء على تقسيم السودان إلى دولتين في
الشمال والجنوب.
في
كتابه الجديد "كيفيَّة إدارة العالم" والذي نشر قبل ثورتي تونس ومصر, توقع
باراج خانا, الباحث في مؤسسة أمريكا الجديدة, أن العالم سيضمُّ 300 دولة
مستقلة, ذات سيادة في العقود القليلة المقبلة, في مقابل حوالي 200 دولة في
الوقت الراهن, حيث يلاحظ "أن العديد من الدول التي تخلَّصت من الاستعمار
تشهد منذ استقلالها نموًّا سكانيًّا لا يمكن السيطرة عليه, وتعاني من
الدكتاتوريات الفاسدة والقمعيَّة, وتفكك البنى التحتيَّة والمؤسسات, كما
تشهد استقطابا عرقيًّا أو طائفيًّا", ويمكن أن تنطبق الأسباب ذاتها لتفسير
التقلبات الحالية في الدول العربيَّة.
في
أوائل القرن العشرين كانت القوى الغربيَّة تسيطر على آسيا وأفريقيا وعلى
ثروات منطقة الشرق الأوسط, حينها قام كل من السير مارك سايكس وفرانسوا جورج
بيكو - مسئول بريطاني ودبلوماسي فرنسي- في 1916, بوضع اتفاقيَّة تقسيم
مؤقت للدولة العثمانيَّة, وكانت الخريطة في جوهرها تدل على طمع حكومتي
سايكس وبيكو, بحيث تصير سوريا ومعظم فلسطين لفرنسا, وتصبح العراق من نصيب
بريطانيا في وقتٍ لاحق.
وفي
كتابه الرائع "سلام لإنهاء كل سلام" (1989), يصف المؤرخ الأمريكي ديفيد
فرومكين كيف أن القوى العظمى شكَّلت خريطة الشرق الأوسط في الحرب
العالميَّة الأولى وبعد ذلك, حيث يقول: إن اليهود كانت لديهم قدرة التأثير
على تلك القوى العظمى ونسج المؤامرات التي شكَّلت بالأساس دبلوماسيَّة
الدول الغربيَّة في تقسيمها لدول الشرق الأوسط وتمزيقها.
وقد
مثل ذلك تمهيدًا لوعد بلفور, والاستيلاء على فلسطين, وإنشاء الانتداب
البريطاني, ورعاية لبذور الغضب العربي على القوى الغربيَّة, التي قامت
بتفكيك وإعادة تكوين دول الشرق الأوسط, مثل فصل شرق الأردن عن حدود
الانتداب على فلسطين، ومنح الأكراد فرصة المطالبة بالاستقلال على الرغم من
معارضة تركيا، بعد مرور قرابة 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو.
من
جانب آخر، يمكن لدول أخرى، مثل ليبيا، نتيجة الحرب التي ربما تؤدي في
النهاية إلى تقسيم الدولة بين برقة, معقل الثوار في الشرق, وطرابلس, مقر
القذافي وأعوانه, ويمكن أن تنقسم اليمن إلى شمال وجنوب، وكذا في سوريا
والأردن وغيرهما من الدول التي تشهد توترات داخليَّة خطيرة.
وكحال
إسرائيل, يُفضل الغرب تجزئة وتشرذم الشرق الأوسط, ولذلك, فمن الممكن
التخمين بأن الغرب لن يحاول إحباط أو إيقاف الانقسام في بلدان المنطقة -كما
يدعي في ليبيا- بل ربما يساهم فيه, أما إسرائيل فهي المعنيَّة بشكلٍ مباشر
في هذا الصراع وستنتهز بشكلٍ ثعلبي الفرص الكامنة وراء ظهور دول جديدة،
وستحدِّد كيفية الاستفادة من هذا التمزق؛ لتعزيز قوتها ونفوذها في المنطقة.
--------------------
تعليقات