أريجوني .. العالم يفتقدك!
ترجمة: حسن شعيب
دموعٌ
كثيرة، سالت ولا ريب، إثر اغتيال "فالي فيتوريو أريجوني", الناشط
والمتضامن الإيطالي مع حقوق الشعب الفلسطيني, وأصابع اتهامٍ متحفِّزة لا
تعرف من تخضَّبت يداه بعار هذه الجريمة القاسية، ورغم إفادة عدة تقارير
صحفيَّة بتورُّط مجموعة تسمى "التوحيد والجهاد"، المعارضة لحكومة حماس في
غزة, إلا أن أحدًا لم يستطع ابتلاع أن تفعل تلك الجماعة ذلك بأحد
المتضامنين مع قضيتها.
في
الواقع, مثلت عمليَّة اختطاف أريجوني ثم اغتياله صدمةً رهيبة لكل من عرفه,
حيث لم يعرفْ بين أصدقائه إلا بأنه ناشط حقوقي وقوة حركيَّة لا يمكن
الاستهانة بها.
والدة
أريجوني, اجيديا بيريتا, تقول: "بمجرد تخرجه من الجامعة, بدأ فيتوريو
أريجوني رحلات سفره إلى الخارج, وقد ذهب إلى فلسطين 9 مرات, حينها أدركت أن
عمله وحياته ستتركز هناك", وبالفعل أصبح أريجوني أحد الناشطين القادمين من
أوروبا والولايات المتحدة الذين قاموا بإحياء حركة التضامن الدولي, وعملوا
بشكلٍ وثيق مع الصيادين والمزارعين في قطاع غزة.
جدير
بالذكر أن أريجوني مكث في قطاع غزة ثلاث سنوات, منذ دخوله إليها في شهر
أغسطس عام 2008 على متن أسطول حركة تحرير غزة التي كانت تهدف إلى كسر
الحصار الإسرائيلي وتقديم المساعدات الإنسانيَّة لشعب القطاع, وخلال هذه
المدة لم يذقْ أريجوني طعم الراحة أو الأمان, فقد أُصيب أثناء مرافقته لبعض
الصيادين الفلسطينيين في عرض البحر إثر غارة إسرائيليَّة, كما تلقَّى, قبل
عامين, تهديدًا بالقتل من موقع إلكتروني تابع لليمين المتطرف في الولايات
المتحدة، ناهيك عن سجنه عدة مرَّات من قِبل إسرائيل, بعد أن قامت قوات
الاحتلال بترحيله من الضفة الغربيَّة, إلا أنه ظل صامدًا يشارك في مساعدة
القضية الفلسطينيَّة، كما كان له دور بارز في تسليط الضوء على ترحيل
إسرائيل لنشطاء السلام خارج أراضي فلسطين، ومن ذلك ما ذكره أن إسرائيل قامت
بترحيل بعض من نشطاء السلام عام 2005 بعد قضائهم عيد الميلاد محتجزين,
بسبب رغبتهم في حضور مؤتمر السلام في بيت لحم.
بعد
قيام إسرائيل بترحيله, ازداد أريجوني إصرارًا في السعي من أجل القضية
الفلسطينيَّة, ورأى أنه يتعيَّن عليه أن يبذلَ كل ما بوسعه للمساعدة في
تحقيق المساواة والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال،
إلى جانب توعية من هم خارج فلسطين بمدى الصعوبات والظلم الذي يعانيه هذا
الشعب.
كثير
من المقربين لأريجوني وصفوا مدى ولعه بالقضية الفلسطينيَّة، وخاصة على
موقعه الإلكتروني، حيث وصف الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة بأنه "إجرامي", كما
وصف أربعة فلسطينيين لقوا حتفهم في نفق تحت الحدود بين غزة ومصر مؤخرًا
بأنهم شهداء.
خلال
العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2008, لم يرضَ أريجوني أن يترك القطاع,
وظل طيلة عملية "الرصاص المصبوب" يقدِّم المساعدة للأطباء ويقوم بإعداد
التقارير عما كان يحدث, بالإضافة إلى كتابته تقارير كثيرة لصحيفة ايل
مانيفستو الإيطالية التي عمل مراسلا لها في عام 2010, وله كتاب يسمى "كن
إنسانًا"، يستند على ما شاهده وعايشه خلال عملية "الرصاص المصبوب" على غزة.
يقول
خليل شاهين, عضو المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، وصديق أريجوني:
"ما حدث لصديقي يوم أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني, وقد أُدينت عملية القتل
المروِّعة لصديقي فيتوريو من الجميع وبشكلٍ كامل, ونطالب السلطات
المحليَّة بتقديم المجرمين إلى العدالة في أقرب وقت ممكن.. سيظلُّ دومًا في
أذهاننا، فنحن نراه بطلاً من فلسطين".
ومن
الإنصاف أن نقول أن هذه الأحداث غريبة على ثقافة المقاومة الفلسطينيَّة
والتي تحظى بحبنا وتقديرنا، ولكنها تعتبر نوعًا من الحرب القذرة، على أساس
إثارة الدوافع المرتبطة بالنضال المستمرّ في سبيل تقرير المصير الفلسطيني،
أولا وقبل كل شيء لقد كان الإيطالي أريجوني (36 عامًا) متضامنًا مع القضية
الفلسطينيَّة, حيث كان يقول دومًا: "دعونا نكون بشرًا حتى في أصعب
اللحظات" وعندما سألته أمه كيف ذلك في الأوقات العصيبة, فكان يجيبها
قائلاً: "برغم كل شيء ينبغي أن تظل الإنسانية دومًا داخلنا حتى نتمكن من
الوصول للآخرين".
يوم
الجمعة الماضية, تجمع أصدقاء أريجوني في السفارة الإيطاليَّة في لندن وهم
يحملون الشموع والزهور, كما نظّمت بعض المظاهرات عقب صلاة الجمعة أمام مقرّ
الأمم المتحدة في غزة وخصّصت بعض قرى القطاع مظاهراتها الأسبوعيَّة يوم
الجمعة لأريجوني، واحتشدت التجمعات في ساحة المنارة في رام الله وأمام نصب
الجندي المجهول في مدينة غزة, كما أُقيمت خيمة عزاء لتأبين أريجوني في عدة
مدن بالضفة الغربيَّة، ودُعيت إليها الأحزاب السياسيَّة، لإدانة مقتل
أريجوني والإشادة بأعماله ودوره.
حقًّا
لقد لقِيَ أريجوني, الذي صمد أمام الكثير من أعمال العنف, حتفه بهذه
الطريقة البشعة ولكنه ظلَّ إنسانًا ودودًا للغاية حتى النهاية .. عزيزي
فيتوريو أريجوني, العالم بأسره يفتقدك بعمق.
------------------
طالع..المصدر
تعليقات