تعلم حُبّ الثورة
ترجمة: حسن شعيب
غالبا
ما تُوصف الثورات بأنها فوضوية, حيث أنها تخرج باستمرار عن الأنماط
المعتادة أو المنطق المعروف في الكتب المدرسية, كما أن أصدائها في كثير من
الأحيان تكون مفاجئة للجميع، وهذا ما نشهده في الثورات العربية الراهنه
سواء في تونس أو مصر أو غيرهما.
وشهد
الشرق الأوسط العربي في الأسابيع العشر الأخيرة منذ بداية المظاهرات
والاحتجاجات في تونس فوضى خلاقة في المنطقة برمتها, بدءا الإطاحة السريعة
نسبيا والسلمية للنظام في تونس، ورحيل مبارك في مصر بعد مواجهات واحتجاجات
جماهيرية سلمية ضد نظامه قرابة 18 يوما, وفي البحرين تمت السيطرة على
مظاهرات تطالب بالإصلاح الدستوري، تلتها مفاوضات بين النظام الحاكم
والمعارضة, وفي الآونة الأخيرة دخلت ليبيا بقوة مضمار الثورة, ليعتبر هذا
الشتاء كتالوجا لفصل الديمقراطية في العالم العربي, فما الذي يمكننا أن
نتعلمه من الثورات في المنطقة وتلك التي سبقتها؟
1. الدعم, الدعم, الدعم:
إنها
كلمة السر لفهم ما يحدث في الشرق الأوسط اليوم, كما يقول يوجين روجان,
مدير مركز الشرق الأوسط في كلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد: إن كلمة
السر هي الدعم, في مواجهة مطالب النمو السكاني المتسارع للشباب الذين
يشعرون بالاستياء بشكل متزايد من توريث الحكم وارتباطهم بشكل متزايد
بالعالم الخارجي عن طريق التكنولوجيا, وبالتالي (وهذه هي النقطة الرئيسية)
كان باستطاعتهم تقييم ومقارنة وضعهم مقابل أي مكان آخر, بينما لم توفر
الأنظمة في جميع أنحاء المنطقة ما يكفي من فرص العمل, والتعليم, والسكن,
والكرامة كذلك. مضيفا: "الفشل في الدعم هو مصدر التوتر الأكثر وضوحا".
كذلك
كان المطلب الأساسي للمحتجين ثابتا, وبسيطا للغاية: وهو الهتاف الذي ملأ
الشوارع والميادين, "الشعب يريد إسقاط النظام", وبالرغم من أن تلك الشعوب
التي تسعى إلى الإصلاح في الشرق الأوسط العربي تشترك في الكثير في الوسائل
من الشكوى والموضوعية, فقد كان لديها اختلافات جوهرية كذلك, فالمنطقة ليست
متجانسة: مصر لديها أكثر من 80 مليون نسمة؛ بينما البحرين مليون نسمة فقط,
كما تمتلك بعض الدول, مثل ليبيا, وفرة في النفط والغاز بينما لا تمتلك دول
أخرى, مثل اليمن, سوى القليل من الثروة الهيدروكربونية.
2. لا تشابه بين دولتين:
لا
يمكن أن تكون أي ثورة في دولة ما قياسا مثاليا لأي دولة أخرى, كل دولة في
الشرق الأوسط لها طريقتها الخاصة في الحكم وتاريخها مع الاستعمار, فالمغرب
والجزائر وتونس فرنكوفونية؛ أما ليبيا لديها علاقات جيدة مع إيطاليا, كما
تستقبل مصر كميات هائلة من المساعدات الأمريكية, وتربط قادة قواتها المسلحة
علاقات وثيقة مع نظرائهم في البنتاجون.
كما
تختلف الثورات في ذكريات كل دولة, واستياءها والانكسارات الاجتماعية
الخاصة بها, فقد كانت مصر, على سبيل المثال, لفترة طويلة الزعيم الطبيعي
للعالم العربي, إلا أن النظام البائد قزم هذا الدور بسبب تخاذله المستمر عن
اتخاذ المواقف الحاسمة, لذا فلا ريب أن يتمنى العديد من المصريين رؤية
بلادهم تستعيد مكانتها الطبيعية, وإحياء الشعور بأنها المحرك الثقافي
والسياسي في المنطقة.
كذلك
ربما تعبر بعض القضايا الأخرى, مثل الطائفية والاقتصادية عن نفسها بطرق
مختلفة في أماكن مختلفة, أما الأمر الثابت بين جميع الدول التي شهدت
الاضطرابات في المنطقة فهو كراهية الفساد ومقته وهو عامل جيد, إلا أنه من
المرجح أن يكون له أهمية خاصة للتغير في ليبيا, هذه الدولة, ذات النسبة
السكانية القليلة والثروة المعدنية, والتاريخ الثقافي الذي كان من الضروري
أن يجعل قربها من الأسواق الأوروبية الغنية لفترة طويلة قوة اقتصادية مثل
دول الخليج, بدلا من ذلك فإن الفساد الحكومي المستفحل جعل هذا لصالح الزعيم
الليبي معمر القذافي, وعائلته ومؤيديهم.
3. الصبر فضيلة:
نظرا
لتنوع الظروف الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي والانتقال السريع
من ثورة الياسمين السلمية في تونس لأعمال العنف المروعة في ليبيا, فإن هناك
خوف من الأسوأ في الوقت القادم, وبالتأكيد فإن النصيحة الأكثر حكمة هي
الصبر.
خلال
الثورات الأوروبية عام 1989, كان من الشائع النظر إلى الشرق الأوسط
والتساؤل لماذا يبدو في مأمن من موجة الديمقراطية, لكن بعد الذي حدث في
الشهر الماضي, فقد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يوجد "استثناء عربي",
ولم يعد هناك ما يسمى بالحكم الحديدي الذي يحدد رغبات وإرادة الشعب- سواء
حق اختيار الحكام, رجاء أن يعيش الأولاد حياة أفضل, والبحث عن الرخاء
والسعادة, وهذا لا يعني أن الوضع بعد الثورة في المنطقة سيكون مرضيا في كل
مكان, إلا إذا تم استغلال هذه الغريزة الثورية وتحويلها إلى تصرفات وأفعال
حكومة فعالة ومؤثرة من خلال المؤسسات التي تمتلك درجة من الشرعية الشعبية.
4. دور المؤسسات الهام:
وخلال
هذا التحول الثوري وطبيعته فإن الترتيبات المؤسسية تعد عنصرا هاما في
الشرق الأوسط على وجه التحديد, ربما يكون الشباب الشجاع والمنظم الذين سعوا
نحو التغيير, وليست حشود ميدان التحرير هي التي ستحكم مصر, كما لا تستطيع
صفحة فيسبوك أو التويتر ذلك, أما المطلوب فهو أكثر من ذلك, فعلى الرغم أنها
قد تكون متعثرة بسبب سنوات من الاستبداد, فإن مصر وتونس لديها العديد من
المؤسسات, مثل البرلمانات والأحزاب السياسية واتحادات القضاة والمحامين
والنقابات العمالية والصحافيين, كل ذلك يبشر بالخير للحصول على فرصة لبناء
أنظمة الحكم التي تجمع بين الفعالية, كما أنها بنفس القدر من الأهمية ستكون
مسئولة أمام الشعب.
5. الشعوب تصنع ثوراتها:
أما
الشيء الرئيسي في الثورة العربية – وربما يكون العامل الذي يمكن أن تخرج
ليبيا من أزمتها بسببه- هو أن العرب يفعلون ذلك لأنفسهم, فهذه الثورة
إقليمية الصنع, حيث أن الحركة فيها وانطلاقها في كل دولة بفعل الشباب الذين
تعلموا التكتيكات, والإصلاحات التكنولوجية والشعارات من بعضهم البعض, كما
كان لقناة الجزيرة – القناة التلفزيونية العربية - وليس هيئة الإذاعة
البريطانية أو "سي إن إن" الأمريكية, دورا هاما في الثورات العربية, ويقول
روجان, "لقد ألهمت الدول العربية غيرها من العرب, لذا فما حدث في العالم
العربي صنعوه بأنفسهم ولأنفسهم".
----------------------
طالع..المصدر
تعليقات