ثورة مصر .. والنموذج الإندونيسي
ترجمة: حسن شعيب
شَهدت
المنطقة في الآونة الأخيرة, أحداثًا متلاحقة غيَّرت الخارطة القديمة
بأكملها، على كافة الأصعدة، بدءًا من تونس ومصر، مرورًا بليبيا, وصولا
-ربما- إلى دول أخرى، كاليمن والبحرين وغيرهما، لكن الأمر اللافت في الثورة
المصرية تحديدًا، وجود أوجه شبه كثيرة بينها وبين الثورة الإندونيسيَّة
التي حدثت منذ عقد من الزمان: ذلك أن البلدين يتمتعان بأغلبيَّة مسلمة,
وحدثت فيهما انتفاضة شعبية أطاحت بالحاكم الذي ظلَّ ممسكًا بالسلطة لفترة
طويلة (سوهارتو 1969-1998) و (مبارك 1981- 2011)، أيضًا نجد أن كلا
النظامين (المصري والإندونيسي) اللَّذين تم إسقاطهما بانتفاضة شعبيَّة,
كانا حليفين وثيقين للولايات المتحدة الأمريكيَّة، والغرب بصفة عامة, مما
جعلهما يلعبان دورًا هامًّا على المستوى الإقليمي.
ربما
كانت هناك أوجه شبه أخرى كثيرة بين النظامين, إلا أن العامل الأهمّ
يجمعهما، وكان سببًا رئيسيًّا في سقوطهما؛ هو الفساد، وانتشار القمع
والديكتاتوريَّة والاستبداد, وتهميش الكفاءات العلمية والثقافية
والسياسيَّة, واشتداد القبضة الأمنية على جميع المؤسَّسات وهيئات الدولة.
برغم
هذا كله استطاع الشعب الإندونيسي أن ينهض من كبوته بعد تخلصه من هذا
النظام الفاسد، وأخذ يُرسي دعائم الديمقراطية في البلاد, وقد أشاد العديد
بعد ذلك بتحوُّل إندونيسيا السريع من الاضطرابات الداخلية، إلى دولة تضمُّ
أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا, فضلا عن امتلاكها وسائل إعلام قوية ونابضة
بالحياة، ومجتمع مدني استطاع أن يشارك مرتين في انتخابات جيدة.
وبرغم
هذا لا تزال هناك مشاكل جمة تواجه إندونيسيا, حيث تضيق الفجوة
الاقتصاديَّة ببطء متناهٍ رغم أن النمو الاقتصادي ارتفع لأكثر من 6 بالمائة
في العام الماضي، بالإضافة إلى ملاحقة الحكومة للإسلاميين, بزعم مكافحة
الإرهاب, مثل محاكمة أبو بكر باعشير, الزعيم الروحي للجماعة الإسلاميَّة,
الذي أدانته محكمة إندونيسية بسبعة اتّهامات متصلة "بالإرهاب" قد تُفضِي
لعقوبة الإعدام.
وبالمثل
يوجد في مصر العديد من الجماعات الإسلاميَّة التي كان معظم قيادييها رهن
الاعتقال والملاحقة دومًا أثناء عهد مبارك، ومن أبرزها جماعة الإخوان
المسلمين، التي وجدت مساحة واسعة من الحركة بعد سقوط مبارك, مثل ظهور بعض
قياداتها في التلفزيون الرسمي، الأمر الذي كان غير مسموح به باعتبارهم
جماعة "محظورة"، وفق توصيف النظام السابق، وبطبيعة الحال لا يمكن تجاهل ما
تعانيه مصر من أزمة اقتصاديَّة هائلة، تحتاج للكثير من التخطيط للخروج من
هذا الإرث الثقيل الذي خلَّفه النظام البائد.
من
أجل ذلك قد يستلهم المصريون من التجربة الإندونيسيَّة خيرها، ويتجنبون
شرها، وأول الخطوات هو الحفاظ في الوقت الحالي على روح الثورة، والاستمرار
في المطالبة بجميع الإصلاحات التي يمكن الحصول عليها, ومنها إخراج الجيش من
الحياة السياسية بسرعة, وإزالة جميع القوانين الظالمة الغاشمة والقبضة
الأمنيَّة, وحصول جميع فئات الشعب على حصة متساوية من الديمقراطيَّة، وكل
ما يُرجى في المقابل هو ألا يتكرَّر في مصر سيناريو الفوضى، واستهداف
الإسلاميين، الذي شهدته إندونيسيا بعيد رحيل سوهارتو.
-------------------
تعليقات