نجم الدين أربكان.. تركيا لن تنساك
ترجمة: حسن شعيب
-------------------
طالع..المصدر
فقدت
الأمة الإسلامية هذه الأيام أحد نجوم عالم السياسة، وقطبا من أقطاب الحركة
الإسلامية في العالم عامة وفي تركيا خاصة.. إنه "نجم الدين" أربكان, الذي
صنع للإسلام السياسي في تركيا تاريخا لا يمكن نسيانه, بل يجب التعرف عليه
هذا من أجل المستقبل.
ارتقى
نجم الدين أربكان، مؤسس الحركة الإسلامية السياسية في تركيا ورئيس الوزراء
السابق، أول أمس الأحد، عن عمر يناهز 84 عاما بعد صراع طويل مع المرض,
ليفقد العالم أحد أعظم قادته, كما قال ياسين خطيب أوغلو للصحفيين في مستشفى
جوفين الخاصة, حيث كان يتلقى أربكان علاجه منذ أوائل يناير. وفور تسريب
خبر وفاته تدفق الآلاف من مؤيدي الرجل الذي يعرف بـ "المعلم أربكان" إلى
المستشفى ومقر حزب السعادة, وهو آخر حزب رأسه قبل وفاته.
اسمه
نجم الدين أربكان, ولد عام 1926 في مدينة تركية على ساحل البحر الأسود,
وأنهى دراسته الثانوية عام 1943م والتحق بكلية الهندسة قسم الميكانيكا في
استانبول وتخرج منها في سنة 1948م وكان ترتيبه الأول على دفعته, لذلك تم
تعيينه معيدا.
بعد
ذلك, أرسلته الجامعة في بعثة علمية إلى جامعة ألمانية، التي ابتكر فيها
عدة ابتكارات أثناء دراسته مثل تطوير محركات الدبابات, بعدها عاد إلى وطنه
تركيا وقد أصبح بروفيسور ( أعلى درجة علمية لأستاذ الجامعة) وعمره لم
يتجاوز 29 عاما.
حياته السياسية
والتحق
أربكان بالحياة السياسية فور تخرجه من كلية الهندسة، وقام بتأسيس عدة
أحزاب إسلامية في تركيا، كان أولها "حزب النظام الوطني" عام 1970، لكن بعد
صدور حكم بحله، قام بتأسيس آخر باسم "حزب السلامة الوطني" في عام 1972,
والذي شارك به في الانتخابات العامة وفاز بخمسين مقعدا وانضم إلى حكومة
ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري.
وفي
هذه الحكومة تولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء, وكانت مشاركته رئيس
الحكومة وقتئذ بولنت أجاويد اتخاذ القرار بشأن التدخل في قبرص بمثابة تحقيق
مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسي؛ من أهمها الاعتراف بهذا التيار
وأهميته في الساحة السياسية. وخلال وجوده بالحكومة قام بتقديم مشروع قرار
للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير
العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني
ومعاد لإسرائيل.
قام
أربكان في عام 1984 بتأسيس حزب الرفاة الوطني, عقب خروجه من السجن بعد
الانقلاب العسكري الذي قام به قائد الجيش التركي على الحكومة الائتلافية,
والذي شارك في الانتخابات ولم يحصل سوى على 1.5% من الأصوات. لكن لأنه لا
يعرف اليأس، واصل جهوده السياسية حتى حصد الفوز بالأغلبية في عام 1996,
وقام بتشكيل حكومة ائتلافية.
وخلال
هذه الفترة التي أمضاها أربكان في رئاسة الوزراء, واجهت الحكومة
الائتلافية التي يقودها الإسلاميون توترات كبيرة مع الجيش التركي والأوساط
العلمانية في البلاد, حيث استخدم الجيش خطابا مناهضا للعلمانية خلال
احتفالات "يوم القدس" التي أقيمت في إحدى ضواحي أنقرة كذريعة لإرسال
الدبابات في استعراض للترهيب وقاموا بتقديم مجموعة طلبات بغرض تنفيذها على
الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط
الإسلامي في البلاد سياسيا كان أم تعليميا أم عباديا، الأمر الذي أجبر
أربكان على الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري في
اليوم الذي عرف بـ"انقلاب ما بعد الحداثة".
شهادات تلامذته
"نحن
في حزن كبير على فقدان رجل الدولة ورجل السياسة والعلم" هكذا رثى الرئيس
عبد الله جول في بيان مكتوب أربكان عقب إعلان وفاته. ولا غروَ فـ جول ورئيس
وزراءه إردوجان، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج وعشرات من
السياسيين الحاليين، كانوا تلامذة أربكان، وإليه يعود الفضل في تقديمهم إلى
الساحة السياسية.
وخلال
اتصال هاتفي قال فاتح أربكان, نجل الفقيد: "إن نجم الدين أربكان، الذي
سعدت بالعمل معه لفترة طويلة وكان لي شرف معرفته عن كثب، ترك بصماته على
صفحات التاريخ", أما إردوجان فقال, في خطاب ألقاه باسطنبول: "أود أن أعرب
عن أننا سنظل دوما نتحدث بامتنان عنه وعن تعاليمه وشخصيته المقاتلة, لأنه
قدم مثالا جيدا للغاية للأجيال الشابة التالية فيما يتعلق بمبادئه كإنسان،
وكما كان معلما وزعيما أرجوا أن تكون كذلك مكانته في الجنة".
يُذكَر
أن إردوجان قام باختصار زيارته لألمانيا للمشاركة في تشييع جنازة أربكان
اليوم الثلاثاء بمشاركة عدد من قادة الحركة الإسلامية، مثل خالد مشعل رئيس
المكتب السياسي لحركة حماس، بحسب مسئول في حزب السعادة.
شهادات زملائه
من
جانبه قال رئيس الوزراء والرئيس التركي السابق سليمان ديميريل، والذي كان
زميلا لأربكان في جامعة اسطنبول: إنه يشعر بالأسف العميق لفقدان زميل دراسة
وصديق، ويرى أن البلاد فقدت رجل دولة من طراز خاص. تأتي هذه الشهادة رغم
انتقاد أربكان الشديد لديميريل في 1997، بعدما لعب الأخير دورا حاسما في
الضغط العسكري على أربكان لمغادرة الحكومة عندما كان رئيسا للبلاد.
كما
أعربت تانسو تشيلر، التي شاركت في حكومة ائتلاف أربكان، عن استيائها
الشديد لفقدان أربكان, قائلة: "كان شخصية سياسية هامة للغاية, وكان رجل
النضال والإيمان باستمرار، كما كان رجلا نبيلا في الوقت ذاته" مشيرة إلى
أنها شهدت مقاومته وقوة إيمانه خلال فترة الانقلاب عليه عام 1997.
كذلك
أعرب كمال قليجدار اوغلو، زعيم المعارضة الرئيسي ورئيس حزب الشعب الجمهوري
شعوره بالحزن والأسى لوفاة أربكان، قائلا: "لقد كان أحد الشخصيات الرئيسية
في السياسة التركية, أشعر ببالغ الأسف لفقدانه ", كما قطع دولت بهجلي زعيم
حزب الحركة القومية حملته الانتخابية في منطقة بحر إيجة، وعاد إلى أنقرة
للتعبير عن تعازيه لأسرة أربكان.
أما
نعمان كورتولموش، زعيم حزب صوت الشعب والذي انشق عن حزب السعادة بعدما
فشل في منافسة أربكان على زعامة الحزب، فعبر هو الآخر عن أسفه الشديد لوفاة
منافسه السياسي, قائلا "لقد تعلمنا منه الكثير, فقد ترك بصمته على التاريخ
السياسي في تركيا".
العمل للوطن
يأتي
ذلك بعدما ظن الجميع أن حياة أربكان السياسية انتهت بعد حظر حزب الرفاة
عام 1998 والحكم عليه بعدم مزاولة السياسة لخمس سنوات, لكنه قام بتأسيس حزب
آخر (حزب الفضيلة) بزعامة أحد معاونيه, ورغم تعرضه للحظر كذلك, قام بعد
انتهاء الخمس سنوات بتأسيس حزب السعادة عام 2003 والذي فارق الحياة وهو
رئيسا له.
ويوارى
جثمان الفقيد في ثرى اسطنبول اليوم الثلاثاء بعد إقامة مراسم الجنازة في
مسجد الفاتح, حسب ما قاله مسئولو حزب السعادة وأفراد عائلة أربكان. فيما
رفضت عائلته المقترحات التي تشير بإقامة احتفال رسمي في البرلمان, وهو ما
ينطبق على جميع النواب والوزراء السابقين, حيث شغل أربكان منصب رئيس
الوزراء بين عامي 1996و 1997، لأن الفقيد كان دوما ضد الاحتفالات المبهرجة،
وكان دوما ينشد التواضع، بحسب ما أكده أوجزان اسيلتورك, المسئول في حزب
السعادة, مضيفا: "لقد كانت آخر نصائحه: "عليكم بالعمل الجاد, فإن لم تعملوا
بجد فلن يمكنكم مطلقا الارتفاع والحفاظ على هذا البلد".
طالع..المصدر
تعليقات