مصر المنهوبة


ترجمة: حسن شعيب
في الواقع, هناك الكثير من الخفايا التي لا تظهر على الساحة السياسية تجعل حسني مبارك مصرا على عدم التنحي ومقاومة معارضيه بل وإطلاق عصابته البلطجية على المحتجين السلميين في ميدان التحرير بالقاهرة، ويأتي في مقدمة ذلك المال بطبيعة الحال, حيث تعامل مبارك والزمرة المحيطة به مع دولة مصر طويلا باعتبارها إقطاعية ومواردها بمثابة غنائم تُقسّم فيما بينهم.
وفي إطار سياسات الخصخصة الواسعة, استطاع هؤلاء الاستيلاء على المؤسسات الربحية العامة ومساحات شاسعة من أراضي الدولة, كما استولت مجموعة صغيرة من رجال الأعمال على الأصول العامة واستخدمت الأساليب الاحتكارية في أسواق السلع الاستراتيجية مثل الحديد والأسمنت والخشب. وفي الوقت الذي ازدهرت فيه رأسمالية المحسوبية، تدهورت الصناعات المحلية, والتي كانت ذات يوم العمود الفقري للاقتصاد, كما توسعت صناعات القطاع الخاص التي تفرز منتجات خطرة بيئيا كالسيراميك والرخام والأسمدة بدون تنظيم فعال على حساب صحة الشعب المصري.
نتيجة لذلك, فقد جمعت نخبة اقتصادية ضئيلة, تسيطر على الإنتاج المستهلك والواردات، ثروة ضخمة. وتضم هذه النخبة ممثلين لشركات أجنبية لديهم حقوق حصريه لاستيراد الإلكترونيات والكابلات الكهربائية والسيارات, كما تشمل مطوري الأراضي العقارية الذين شكلوا طفرة في المجمعات السكنية المغلقة ومنتجعات الأثرياء السياحية. وتجدر الإشارة أن معظم هذا التطور كان على الأراضي العامة التي تم الاستيلاء عليها بأسعار منخفضة للغاية ودون وجود مناقصات أو مزايدات ملائمة.
في مصر تسيطر نحو ألف أسرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد، كما سعت هذه الطبقة من رجال الأعمال لتقوية وتعزيز نفسها وحماية ثروتها من خلال المكانة السياسية, وقد كان الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم هو مركبتهم الأولى لتحقيق ذلك, لذا فقد صار تزاوج المال بالسلطة في السنوات الأخيرة صارخا عندما أصبح عدد من رجال الأعمال وزراء بالحكومة بحقائب وزارية تداخلت بشكل واضح مع مصالحهم الشخصية.
وبدوره كان مبارك يدير عملية انتقلت فيها الثروة الوطنية إلى أياد خاصة قليلة بينما كان أغلبية السكان فقراء ومعدمين, حيث يعيش 40 بالمائة من الشعب تحت خط الفقر بأقل من 2 دولار في اليوم في ظل ارتفاع معدلات البطالة وانعدام وجود فرص عمل للشباب.
جدير بالذكر أن المصريين احتجوا في الأشهر القليلة الأخيرة لعام 2010 للمطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 240 دولار, إلا أن حكومة نظيف الراحلة أصدرت مرسوما يقضي بأن أقل من مائة دولار يكفي كدخل أساسي, في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية وتعريفة المرافق بشكل باهظ, وهذا ما أكده أحد خبراء الاقتصاد المحلي أن السلع الأساسية وتكلفة الخدمة ارتفعت بشكل ملحوظ للغاية إبان حكومة نظيف وهي حكومة رجال الأعمال التي فرضت الضرائب التصاعدية.
إلى جانب ذلك, فقد خضعت الخدمات العامة الاجتماعية للخصخصة المقنعة بحيث صارت الصحة والتعليم بعيدة المنال عن شرائح واسعة من طبقات الشعب, مما أجبر العديد من الأسر الفقيرة للتخلي عن أمل تعليم أبنائهم، وإرسالهم بطبيعة الحال للقيام بأعمال مهينة متدنية للمساهمة في دخل الأسرة, أما الاستثمار العام في معظم الخدمات والبنية التحتية مثل الطرق والماء والصرف الصحي فقد كان قليلا للغاية, لذا فقد شهدت مصر عدة احتجاجات منذ عام 2005 لمطالبة بتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي الملائم في المدن والقرى.
وفي مقابل ذلك فقد كان النظام المصري يواجه هذه المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة للشعب بالقمع والمنع, واستخدم الشرطة للسيطرة على الشعب, هذه الشرطة التي اكتسبت في ظل قوانين الطوارئ صلاحيات واسعة بما فيها مراقبة والتنصت على المواطنين، وبات التعذيب وسوء المعاملة أمرا روتينيا في مراكز الشرطة المصرية, بل وصارت حواجز الشرطة والتفتيشات جزء من الحياة اليومية المصرية, وتفشى فساد الشرطة وتورطها في عمليات للابتزاز لتحقيق المصالح الخاصة.
لقد حُكمت مصر كعزبة خاصة، وتورطت أسرة حاكمها بالفعل في نشاطات رأسمالية محسوبية باعتبارهم شركاء لمعظم رجال الأعمال الذين انتفعوا من فساد النظام, وبالطبع لا يريد هؤلاء المنتفعون مغادرة قصورهم وشواطئهم ومنتجعاتهم السياحية وأعمالهم التجارية وهذا الثراء الفاحش, وهذه أصول ثابتة لا يمكن تحويلها خارج البلد، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن النخبة الحاكمة قامت بتحويل الكثير من رؤوس أموالها إلى البنوك الأجنبية, ومع ذلك فلا يريدون التنازل عن إقطاعيتهم الخاصة "مصر" لذا حشدوا عصابتهم في ميدان التحرير لترويع المتظاهرين, وهذا أسلوب عهدناه دوما على الحزب الحاكم في عدة مناسبات سابقة.
وما حدث بانتخابات مجلسي الشعب والشورى ليس بالبعيد, حيث تم استئجار بلطجية لترويع الناخبين وتزوير النتائج, وكذا في جميع المظاهرات حيث تطلق الشرطة البلطجية لمهاجمة المحتجين, وأصبحت البلطجة ذراع الشرطة, وقد لجأ النظام وأعوانه إلى أساليب وممارسات استخدموها في السابق خشية مواجهة احتمال متزايد بفقدان ثروتهم المكتسبة بطرق غير شرعية، إلا أن حجم التعبئة الشعبية والإصرار من قبل المتظاهرين في ميدان التحرير على النضال من أجل تحقيق الكرامة والحرية وهذا ما جعل تكتيكات النظام عقيمة وقد عفا عليه الزمن.
---------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء