ثورة الغضب.. حماقة السياسة الأمريكية


ترجمة: حسن شعيب

فور اندلاع الثورة التونسية, توقع الكثير من المحللين أن تكون المحطة التالية لهذه الانتفاضة الشعبية العربية هي مصر، لا سيما أنها إحدى أكثر الدول العربية الّتي تُعاني من الاستبداد والفقر والبطالة, وهذا ما أشار إليه أحد الدبلوماسيين الأوربيين بقوله: إنّ جمود السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط عامة تمثل أزمة. مؤكدًا أنّ الأزمة التالية بعد تونس ستشهدها مصر.
وفي الواقع شهدت الأحداث تسارعًا كبيرًا منذ فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي, فقد نشبت بعدها أزمة كبرى في لبنان باختيار رئيس وزراء جديد, ثم جاءت الانتفاضة المصرية التي بدأت بنزول عشرات الآلاف إلى الشوارع في العديد من المدن المصرية مطالبين بإسقاط النظام الديكتاتوري للرئيس حسني مبارك، الذي مكث في حكم مصر طيلة ثلاثين عامًا.
يبدو أنّ الشرق الأوسط يثور, والولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب غير قادرة على توجيه الأحداث, لم يكن بوسعها سوى أن تهتف لحلفائها وأنّ تتمنى ألا تقوم الحشود الغاضبة بإسقاطهم وإزالتهم من السلطة, وهذا ما اتضح بقوة في بداية الثورة المصرية.
وفي الوقت ذاته, فإن واشنطن ترى الصراعات الوطنية والداخلية المتنوعة في الشرق الأوسط جزءًا من المعركة للسيطرة على المنطقة مع إيران, لذا فنجد أنّ الولايات المتحدة كانت تراهن على بعض الأنظمة الاستبدادية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط كنظام مبارك الفرعوني في مصر, لحسم هذه المعركة؛ غاضة النظر عن سياسات هذا النظام الاستبدادي.
تُبقي الولايات المتحدة على مبارك في السلطة, بل ومنحت نظامه العام الماضي 1.5 مليار دولار في شكل مساعدات, نظرًا لأنّه يدعم سياسات الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل بشكلٍ أساسي, وبخاصة من خلال مساعدته إسرائيل في استمرار خنق قطاع غزة المحاصر, كذلك الحال مع محمود عباس, وبرغم أنّ مبارك وعباس لم يعد كلاهما يمتلكان أي شكل من أشكال الشرعية؛ فإنّ دعم أمريكا لهما مازال مستمرًا, حيث أن مبارك يُدير الانتخابات في بلاده بشكل هزلي وبكل وقاحة, كذا عباس يحكم من خلال مرسوم منذ أن انتهت فترة رئاسته عام 2009.
لقد ظلت الولايات المتحدة لفترة طويلة تمنع الديمقراطية عن العالم العربي, خشية أنّ تؤدي الديمقراطية إلى ظهور النظم الإسلامية, إلا أن الثورة التونسية لا يبدو أنها تتجه بهذا المنحى, كما أنّ الإسلاميين لا يبدو أنهم يحاولون قيادة المحتجين في مصر, حتى لو لم تكن الأنظمة الديمقراطية في الشرق الأوسط أصولية, فإنهم سوف يعارضون بقوة سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل, لذا فإنّ إسرائيل سوف تفقد الكثير إذا كان القادة العرب الجدد هم ممن يرفضون أن يكونوا شركاء لا يقبلون سياساتها.
وفي ذات الصدد, قال المحلل الأمريكي الاستراتيجي ناعوم تشومسكي: إنّ الولايات المتحدة لا تخشى من الإسلاميين كما يبدو من التصريحات التي تصدر عن المسئولين في الإدارة الأمريكية، وإنما تخشى من استقلال الدول العربية التي تدور أنظمتها في فلكها.
وأضاف تشومسكي: إنّ واشنطن لا يهمها مطلقًا طبيعة النظام الذي يحكم في الدول العربية، كما أنها تظل محافظة على النظم الديكتاتورية في مرتبة ثانوية إلى أن تنفجر الأوضاع، وتسعى هذه الدول إلى كسر الطوق الذي يحيط بها, لذا فإنّ الإدارة الأمريكية تسعى في الوقت الراهن للتركيز على العمل لضمان تشكيل نظام لا يمثل انفصالاً عن النظام السابق, الذي كان يدعم سياساتها في المنطقة, بالشكل الذي يضمن لها تحقيق مصالح واشنطن.
وتعليقًا على ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من موجة احتجاجات وتظاهرات, قال تشومسكي: إنّ الموجة الجديدة التي تربك الحسابات الأمريكية كانت بدايتها من تونس؛ حيث استطاع المحتجون هناك الإطاحة بديكتاتور كان مدعومًا من الغرب, ومع امتداد هذه التطورات إلى مصر, تزايد القلق, حيث تصر جموع وحشود المظاهرات في مصر على الإطاحة بديكتاتور آخر كانت تدعمه الولايات المتحدة، والذي اتسمت سياسته بالقسوة البالغة والقوة الأمنية المُفرطة.
وبعيدًا عن تحقيق الحرية والديمقراطية للشعب العربي كما تزعم أمريكا دومًا, فقد بات من الواضح أنّ ما تبحث عنه الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو تأمين سياساتها وصناعة حلفاء أقوياء، كما كان مبارك ونظامه، والذي صار فاقدًا للشرعية بشكل واضح للغاية.
في نهاية المطاف فإنّ قبول الولايات المتحدة أن يكون للعرب الحق في انتخاب زعمائهم والتصويت لقادتهم؛ يعني ظهور حكومات لا تتشارك مع أمريكا في سياساتها المؤيدة بشدة لإسرائيل, وتلك هي المعضلة التي تواجهها واشنطن في الوقت الحالي.
--------------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء