التدخل العسكري في ليبيا .. مخاطر وعواقب
ترجمة: حسن شعيب
هل
يساعد التدخل العسكري في إنقاذ الشعب الليبي، أم يرفع من أعداد ضحاياه؟ هل
يضع نهاية لمجازر القذافي، أم يزيد من جنونه؟ هل ينتصر لحقوق الملايين
التي تناضل في معركة بطوليَّة ضدّ الدكتاتور الذي حكم بلادهم طيلة أربعة
عقود, أم يضعها في مأزق، ويوجه لها سهام (الاستقواء بالخارج)؟
يرى المراقبون أن مثل هذا التدخل سيحمل في طياته العديد من المخاطر والتعقيدات المحتملة, وربما يخلق مستنقعًا آخر في الشرق الأوسط قد يكون أسوأ من المستنقعَين العراقي والأفغاني. وحتى لو كان الغرب، لا سيما الولايات المتحدة وحلف الناتو، لديه القدرة العسكريَّة على التدخل مباشرة وبصورة فعَّالة، بما يشلّ قدرة النظام الليبي على استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد الشعب، ويمكنه تحقيق ذلك بسرعة نسبية عن طريق استخدام الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط، وطائرات حلف شمال الأطلسي الرابضة في صقلية أو جنوب إيطاليا، بيدَ أن هذا التدخل العسكري الغربي، وما قد يتمخض عنه من اشتعال القتال بين القوات الليبية والغربية، سيؤدي بالضرورة إلى وقوع ضحايا وخسائر في الأرواح, ومن ثم ستكون هناك صعوبة في تمييز العدو من الصديق داخل الأراضي الليبيَّة، مع الوضع في الحسبان أولويَّة تجنُّب وقوع إصابات مدنيَّة في خضمّ الفوضى الحالية.
يرى المراقبون أن مثل هذا التدخل سيحمل في طياته العديد من المخاطر والتعقيدات المحتملة, وربما يخلق مستنقعًا آخر في الشرق الأوسط قد يكون أسوأ من المستنقعَين العراقي والأفغاني. وحتى لو كان الغرب، لا سيما الولايات المتحدة وحلف الناتو، لديه القدرة العسكريَّة على التدخل مباشرة وبصورة فعَّالة، بما يشلّ قدرة النظام الليبي على استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد الشعب، ويمكنه تحقيق ذلك بسرعة نسبية عن طريق استخدام الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط، وطائرات حلف شمال الأطلسي الرابضة في صقلية أو جنوب إيطاليا، بيدَ أن هذا التدخل العسكري الغربي، وما قد يتمخض عنه من اشتعال القتال بين القوات الليبية والغربية، سيؤدي بالضرورة إلى وقوع ضحايا وخسائر في الأرواح, ومن ثم ستكون هناك صعوبة في تمييز العدو من الصديق داخل الأراضي الليبيَّة، مع الوضع في الحسبان أولويَّة تجنُّب وقوع إصابات مدنيَّة في خضمّ الفوضى الحالية.
وفي
هذا الصدد ذكرت صحيفة ذا جارديان البريطانيَّة عدة عوامل تمنع منظمتي حلف
الناتو والأمم المتحدة -اللذان كانا قد اجتمعا مؤخرًا للنظر في التدابير
الرامية لإجبار، أو إقناع، نظام القذافي المحتضر في ليبيا على التخلي عن
السلطة، خشية وقوع المزيد من الضحايا- من التدخل العسكري، ومن بين هذه
العوامل: أولا؛ أن الغرب لم ينتهِ بعد من إخلاء جميع رعاياه الموجودين في
ليبيا, أما العامل الثاني فهو أن الاتفاق الدولي بشأن استخدام القوة، ولو
في شكلٍ محدود مثل الحظر الجوي، أمر بالغ الصعوبة، أما العامل الثالث، وهو
الأهم، أنه من الأفضل أن يفوز الليبيون في معركتهم ضدّ النظام الفاسد
بأنفسهم، دون التدخل العسكري من الدول العربية، ناهيك عن الولايات المتحدة
أو الغرب، الأمر الذي ربما يكون سببًا في تفاقم المشكلة, لأن هذا التدخل
سيعتبر "استعمارًا" من الولايات المتحدة وأية دول أوروبية أخرى مشاركة,
وهذا ما قد يستفزّ النظام الليبي للهجوم على الأجانب في ليبيا وهم رعايا
الدول المشاركة في التدخل، كما أن هذا التدخل العسكري من الولايات المتحدة
وحلفائها ربما يؤدي إلى إحداث نتائج سيئة للغاية إذا تدهور الوضع في البلاد
وتحول إلى حرب أهليَّة أو عنف فوضوي.
هذا
الحديث لا يعني أن تقف الدول الغربيَّة أو غيرها مكتوفة الأيادي، غير
عابئة حتى بتقديم المساعدات, لكن هذه المرَّة عليها أن تفعل ذلك بطريقة
مختلفة دون دبابات وطائرات مقاتلة، بل باستخدام وسائل أخرى أكثر نعومة، مثل
صياغة اقتراح من شأنه أن يضمن رحيل القذافي بهدوء، كما توجد في الوقت ذاته
بعض التدابير التقنيَّة، الأكثر فعالية، والتي ربما تكون هي أفضل ما يمكن
للعالم الغربي فعله في ليبيا في هذا الوقت، مثل تجميد أموال القذافي
ورجاله، وفرض عقوبات اقتصادية عليهم.
وهي
النصيحة التي أكَّد عليها وزير الخارجيَّة الإيطالي فرانكو فراتيني، نظرًا
للعلاقات الوثيقة بين إيطاليا وليبيا، والاستثمارات الضخمة في مجال الطاقة
وغيرها بين البلدين, حين قال: "لا ينبغي أن يتدخَّل الاتحاد الأوروبي في
ليبيا، على الرغم من القمع العنيف للاحتجاجات المناهضة للحكومة من قِبل
نظام القذافي", مضيفًا في اجتماع مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي في بروكسل:
"علينا أن لا نعطي انطباعًا خاطئًا عن الرغبة في التدخل لتصدير
ديمقراطيتنا, بل ينبغي علينا أن نقدم العون لدعم المصالحة السلميَّة فحسب".
وفي
ذات السياق حذَّر حزب اليسار الألماني المعارض من أي تدخل عسكري في ليبيا،
حيث ذكر في بيان أصدره عقب اجتماع لنواب الحزب في البرلمان، رفضه كل
الأفكار المطروحة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول الاتحاد الأوروبي
والداعية إلى التدخل العسكري في ليبيا، ورأى الحزب الألماني أن مثل هذا
التدخل من شأنه أن يعمل على تصعيد العنف وزيادة إراقة الدماء، كما أنه
سيضعف المعارضة الليبية ويعود بالنفع على نظام القذافي فقط, مؤكدًا أن
الأهم في الوقت الراهن هو مساعدة الهاربين من الاضطرابات وتقديم الدعم
لحركة المقاومة في الداخل.
ومن
جانبه، قال جريجور جيزي رئيس الكتلة البرلمانيَّة للحزب الألماني: "إذا
فكرنا في ليبيا اليوم، فيمكننا أن نقول للقذافي: عليك أن تفكر في أن زمانك
ولَّى وانتهى، وعليك مغادرة هذه البلاد" ثم قال موجهًا حديثه للحكومة
الألمانيَّة: لا ينبغي أن تصبح ليبيا "ساحة حرب جديدة".
لذا
فمن المؤكَّد أن التدخل العسكري الخارجي, حتى وإن استطاع أن يضع حدًّا
لجرائم هذا الطاغية، فإن تداعياته أخطر بكثير؛ حيث أنه سيؤدي في النهاية
إلى أن يستبدل الشعب الليبي العظيم, الذي قدم الكثير من التضحيات, بالنظام
الفاسد المتخلِّف آخر أجنبي ومحتل.. وما أفغانستان والعراق منا ببعيد.
---------------
تعليقات