الجزائر .. ثورة أخرى على الأبواب!


ترجمة: حسن شعيب
اندلعت الثورة العربيَّة بداية في تونس، ثم تلتها مصر, وقد تحطّ رحالها في الجزائر، لتمكن الشعب من نيل حريته، والانعتاق من أسْر النظام الاستبدادي؛ لذا، وخشية اندلاع انتفاضة شاملة كتلك التي أسقطت النظامين التونسي والمصري خلال شهر، سارع مسئولو حكومة الدولة الضخمة في شمال إفريقيا إلى اختزال الحركة المتسارعة للاحتجاجات في الشارع، حيث صرَّح مراد مدلسي وزير الخارجيَّة الجزائري لراديو أوروبا 1 الفرنسي، بأنه سيتمُّ إلغاء قانون الطوارئ, المطبَّق منذ 19 عامًا, خلال أيام، كما سيتمُّ إنهاء الرقابة الصارمة، بالإضافة إلى رفع الحظر عن المظاهرات السياسيَّة, مضيفًا: "في الأيام المقبلة، ستكون قوانين الطوارئ شيئًا من الماضي،كما سيفسح المجال لحريَّة التعبير في حدود القانون, مؤكدًا "الجزائر ليست تونس أو مصر".
يبدو أن هذه التصريحات تشير بشكلٍ ما إلى ما تتمنَّى حكومة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تفاديَه من الاحتجاجات التي يستعدُّ الشباب الجزائري لإشعالها, لا سيما وأن الاحتجاجات العارمة التي استمرَّت شهرًا تقريبًا أدت إلى الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي وهروبه إلى السعودية بعد 23 عامًا في الحكم الاستبدادي الظالم, وبعد أن استطاعت الثورة المصريَّة الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، والذي استمرَّ حكمه 30 عامًا.
وبالفعل بدأت الشرارة عندما قام حوالي 2000 متظاهر في الجزائر العاصمة بالنزول إلى الشارع يوم 12 فبراير, ثم السبت 19 فبراير، مستلهمين شعارات الثورة التونسيَّة، قائلين: "بوتفليقة اخرج"، كما حمل بعض المتظاهرين الأعلام المصريَّة والتونسيَّة، وهذا يمثِّل تهديدًا خطيرًا يُفهم منه أن الحكومة الجزائريَّة ربما لن تتمكَّن من تحدي إرادة المتظاهرين أو إيقافها، وكما أصبح ميدان التحرير في القاهرة رمزًا للُحمة وترابط وقوَّة الشعب المصري، اختار المتظاهرون في الجزائر كذلك ميدان الأول من مايو في وسط الجزائر العاصمة ليكون نقطة تجمع للاحتجاجات, وفيه وقعت اشتباكاتٌ بين آلاف من شرطة مكافحة الشغب والمتظاهرين، ومن خلال مقاطع فيديو نُشرت على اليوتيوب، وتَمَّ تصويرها بكاميرا المحمول، تظهر الشرطة وهي تسحب المتظاهرين بعيدًا عن مكان التظاهر.
وقد بات من الواضح أن هناك أوجه تشابه بين مصر وتونس، اللتين أطاحتا بحاكمَيْهما, والجزائر على نحو متزايد، حيث أن بوتفليقة, 73 عامًا, يبدو أكثر عزلةً إقليميًّا، بوصفه أحد طغاة الماضي بشمال إفريقيا فيمن تبقى من جيله، لقد حكم بوتفليقة الجزائر لمدة 11 عامًا, وقام في عام 2008 بتغيير الدستور الجزائري- كما فعل كلا الرئيسين المخلوعين, مبارك وبن علي- ليسمح لنفسه بالمكوث في السلطة إلى الأبد, وبالفعل فاز في العام الذي يليه في الانتخابات الرئاسيَّة, والتي قاطعها الكثير من معارضيه, بالفترة الرئاسيَّة الثالثة بأكثر من 90 بالمائة من الأصوات، وهي نسبة مماثلة للفوز الساحق الذي حقَّقه مبارك في الانتخابات الرئاسيَّة المصريَّة الأخيرة.
كما تجدر الإشارة إلى أن هناك أوجه تشابه أخرى بين الدول الثلاث, فمثلما نسج مبارك علاقاتٍ وطيدةً مع الولايات المتحدة -وكانت المكافأة مليارات الدولارات من المساعدات العسكريَّة الأمريكيَّة- أقام بوتفليقة كذلك شبكة علاقات وثيقة مع المسئولين الأوروبيين والأمريكيين بشنّ معركة شرسة ضد الإسلاميين، أو ما يسميه جماعات إرهابيَّة في الجزائر، موهمًا الجميع بأن الأمر سيتفاقم ويكون أكثر خطورة في حال غيابه.
وقام رسام الكاريكاتير الجزائري المعروف, علي ديلم, بعد تنحي مبارك بنشر رسم كاريكاتوري على مدونته يظهر فيها مشجع كرة قدم جزائري، مكتوب أسفل إطاره (مصر 1- الجزائر 0) ولافتة تقول: (علينا تحقيق التعادل), وذلك نظرًا لما بين البلدين من منافسة مريرة في كرة القدم، كما قام بعض الشباب الجزائري بنشر أشرطة الفيديو التي تُظهر اعتصامات ميدان التحرير على الفيسبوك داعين إلى احتجاجات مماثلة في بلدهم الجزائر.
وبرغم هذا الحماس الذي يملأ شوارع الجزائر, تعتقد وكالات الاستخبارات الغربيَّة أن الجزائريين, الذين أنهكتهم الحروب الأهليَّة لسنواتٍ طويلة، قد يكونون غير مستعدين لسفك المزيد من الدماء في مواجهة الحكومة، لا سيَّما أن البلاد عانت من خسائر جسيمة في الحرب بين الجماعات الإسلاميَّة والقوات الحكوميَّة التي استمرَّت من 1991 حتى 2002 وقتل فيها نحو 200 ألف شخص, إلا أن هذه الاستخبارات الغربيَّة ذاتها قالت منذ أسابيع قليلة ماضية: إن فرصة الإطاحة بمبارك ونجاح تلك الاحتجاجات في ميدان التحرير بالقاهرة ضئيلة، وقد ثبت عكس ذلك ونحن ندرك في الوقت الحالي كيف كانوا مخطئين بهذا الشأن.
---------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء