كراهية المسلمين .. آخر معاقل التعصُّب البريطانيَّة
ترجمة: حسن شعيب
ليس
مستغربًا أن يثير حديث البارونة سعيدة وارسي ضدّ انتشار الإسلاموفوبيا في
بريطانيا غضب الكثيرين, أو أن يهاجمها الكثيرون بشدَّة حينما قالت إن
المسلمين البريطانيين يعانون من التمييز، وأن التحامل ضدّ المسلمين أصبح
واسع الانتشار في بريطانيا حتى أنه بات مقبولا من الناحية الاجتماعيَّة.
في
الأسبوع الماضي, قالت وارسي, رئيس كتلة المحافظين في الحكومة
البريطانيَّة, خلال كلمة لها في جامعة ليستر: إنّ التمييز ضد المسلمين أصبح
أمرًا عاديًّا، لا يثير حفيظة كثير من البريطانيين، وتعهَّدت باستخدام
منصبها لخوض معركة متواصلة ضدّ التعصب, كما شدَّدت على أنّ الأعمال
الإرهابيَّة التي يقوم بها نفرٌ من المسلمين يجب ألا تستخدم لإدانة كل
المسلمين.
وكالعادة
زعم المختلفون مع وارسي أن المسلمين هم من جلبوا المشاكل على أنفسهم, من
خلال رفضهم الاندماج، وعدم انخراطهم وتفاعلهم مع المجتمع, كما ادَّعى آخرون
أن المسلمين يتصرفون بشكلٍ مختلف عن الجماعات المهاجرة الأخرى مثل
الهندوس, برفضهم شرعيَّة الدولة البريطانية, وهو ما تدحضه الدراسة التي
كشفت عن أن حوالي 78% من مسلمي بريطانيا يرون أنفسهم بريطانيين، وأنهم
الأكثر وطنيَّة في أوروبا بوجهٍ عام.
وبطبيعة
الحال, يبقى الخوف من الإرهاب، الذي ألصقوه بالمسلمين، أحد أكثر الشبهات
التي يزعمها المختلفون مع وراسي, مستشهدين بتفجيرات لندن عام 2005 وغيرها,
كما أن الكثير من صحفنا الأكثر شهرة - وليس فقط الجرائد الصغيرة - تقوم
دوريًّا بنشر قصص ملفَّقة ومضلِّلة عن المسلمين, وأنا لدي ملف ضخم من هذه
القصص الخبيثة في بيتي, من بينهما قصتان أثارتا الخوف والقلق في جامعة
ليستر, التي كانت البارونة وارسي تتحدث فيها مصادفة.
وقد
حذَّرت إحدى الصحف الشعبيَّة الآلاف من المرضى في المستشفيات من أنهم في
خطر بسبب إمكانيَّة تعرُّضهم للإصابة بالجراثيم وذلك نظرًا لأن طالبات الطب
من المسلمات رفضوا اتّباع قواعد النظافة الصحيَّة الجديدة وتعرية ذراعهم
حتى الكوع، وبدوري قمت بالذهاب إلى جامعة ليستر لاكتشاف الأمر برمته.
ولدى
سؤالهم, أصيب الطلاب بالصدمة وقال أحدهم: "دائمًا ما أطوي كمي، والجميع
يعلم ذلك", وقد أخطرتنا الجامعة أن أحد الطالبات قدمت فقط استفسارًا حول
اللوائح الجديدة, ولكنها لم تعترضْ عليها مطلقًا, تلك هي أصل القصة ولكنها
تم تشويهها بشكلٍ كبير, وعلاوة على ذلك, فإن هذه الصحيفة زعمت بذكرها لهذه
القصة أن المسلمين يضعون معتقداتهم الدينيَّة قبل سلامة المرضى، وهذا ما لم
تدعمْه الأدلة ببساطة.
إلا
أن الأدلة التي قد تحصَّلت عليها وأثبتها لي نشر هذه الصحيفة لهذه
الإساءات تؤكِّد أن كراهية المسلمين صارت أحد معاقل التعصُّب الأخيرة في
بريطانيا في الوقت الحالي, لذا فأنا على يقين أن البارونة وارسي كانت على
حقّ فيما تحدثت به.
وكان
ينبغي على وارسي ذكر أن المسلمين في بريطانيا يتعرضون للملاحقة وسوء
المعاملة والإهانات والاعتداءات, إلى جانب شيوع تخريب وإحراق المساجد والتي
غالبًا لا يتمُّ تسجيلها والكشف عنها، لقد تغيَّرت طبيعة اليمين المتطرِّف
في بريطانيا, فبعد أن كان يهاجم حزب الجبهة الوطنيَّة ويركِّز كراهيته ضدّ
السود في الثمانينيات, صارت اليوم المنظمات العنصرية مثل رابطة الدفاع عن
الانجليزية تصبُّ جام كراهيتها على المهاجرين المسلمين.
أحد
أكثر الأمور إثارةً للقلق من هذا التمييز العنصري والاعتداء هو إضفاء
الشرعيَّة على هذه العنصريَّة وتدوالها في المحادثات اليوميَّة عبر وسائل
الإعلام.
حقًّا
لقد كانت وارسي محقَّة فيما قالته, وهو ما كان ينبغي على كثير من
السياسيين قوله منذ وقت طويل, وهذا ما أعرفه جيدا، فقد زرت العديد من
المجتمعات الإسلامية وتحدثت إلى الكثيرين من قادتهم وكانوا أشخاصا في غاية
اللطف والتهذيب, وهم يدركون حقا ما الذي يعنيه كونهم مواطنين بريطانيين.
لقد قامت وارسي بالتحدث عن هذه القضية, والتي هي قريبة للغاية من قلبها,
بحكمة وعلنًا، مع قدر من الشجاعة الأدبيَّة وليس بتهوُّر.
في
نهاية المطاف لا بدَّ من التأكيد على أن البارونة سعيدة وارسي لم تطالب
بمعاملة خاصة للمسلمين في بريطانيا والذي يصل عددهم إلى أكثر من 2 مليون,
كما أنها لم تصفهم بالكمال ولم تنكر وجود مشكلة كبيرة مع الخوف من الإرهاب
الذي يواجهه المسلمون أنفسهم, كل ما فعلته فقط كان الكشف عن قضية جديرة
بالمناقشة بعقلانيَّة، والمطالبة بمعاملة المسلمين بذات الاحترام الذي
يعامل به البريطانيون الآخرون.
---------------------
طالع..المصدر
تعليقات