الفاتيكان والشرق.. دعم للحريات أم تأجيج للفتنة؟!
ترجمة: حسن شعيب
لا
ريب أن الهجوم الغادر الذي طال كنيسة القديسين بالأسكندرية، في مصر- وقبله
ذاك الذي استهدف كنيسة النجاة في بغداد- لا يرضى عنه أي دين, حيث وقع
التفجير عشية رأس السنة الميلادية، وحصد أرواح 23 قتيلا وأصاب حوالي 100
شخص، بما يتعدى جميع الخطوط والحدود، إلا أنه في المقابل كان تكئة لمن
يلعبون على وتر الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، بل في
الشرق الأوسط بوجه عام.
تدويل وتعميم
من
المهم أن ندين هذه الأعمال الإرهابية, لكن باتخاذ إجراءات عملية لتقويضها
ومواجهتها, وليس بتسعيرها وإشعال نيرانها أكثر. فبرغم أن الحادث كان شأنا
داخليا مصريا, فقد تدخل بابا الفاتيكان بشكل فج حتى يدولها, ويظهرها كفتنة
طائفية بين المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط, بل ويزعم نمو ظاهرة فوبيا
المسيحيين.
لقد ألقى تدخل بابا الفاتيكان بتصريحاته بعدا سياسيا للحادث وأحدث تأزما في الموقف, فقد ذكرت "نيويورك تايمز"
الأمريكية أن "بنديكيت السادس عشر" بابا الفاتيكان، دعا قادة العالم إلى
حماية المسيحيين في مصر والعراق، والشرق الأوسط بصفة عامة، حيث تمحور خطابه
أمام سفراء ومبعوثي 179 دولة لديها علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان حول
قضية الحريات الدينية، داعيا حكومات الشرق الأوسط إلى حماية الأقليات
المسيحية بعد الهجوميين اللذين استهدفا كنيسة النجاة في بغداد, وكنيسة
القديسين في الأسكندرية بمصر.
وألمح
بابا الفاتيكان إلى وجود انتهاكا للحريات الدينية للمسيحيين في العديد من
دول العالم الإسلامي قائلا "أناشد قادة العالم الإسلامي وحكامه أن يفسحوا
المجال للمواطنين المسيحيين للعيش في أمان وسلام في دولهم باعتبارهم
أقليات".
استياء ديني
وبطبيعة الحال فقد أثارت تصريحات بابا الفاتيكان غضب واستياء المؤسسة السياسية والدينية في مصر, فعلى الجانب الديني أبرزت جريدة "ذا جارديان"
البريطانية تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي رفض بشدة تدخل
بابا الفاتيكان وتصريحاته بشأن الحادث قائلا: "إن حماية المسيحيين شأن
داخلي، تضطلع بها الحكومات؛ ذلك أن المسيحيين يعتبرون مواطنون كغيرهم من
المسلمين في هذا البلد", مضيفا: "نؤكد مجددا رفضنا التام للتدخل الأجنبي في
الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية تحت أي حجة أو ذريعة".
كما
استنكر الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دعوة
بابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر, موضحا أن الأقباط لا يمكن لأحد أن
يفصلهم عن مصر، لأنهم جزء أصيل من هذا الوطن، وأردف "أقول للبابا اكفينا
شرك، واتركنا في حالنا".
غضب سياسي
أما على الجانب السياسي, ذكرت صحيفة واشنطن بوست
الأمريكية أن وزارة الخارجية المصرية استدعت سفيرتها لدى الفاتيكان
احتجاجا على تصريحات بابا الفاتيكان إلى أوضاع النصارى, والتي تمس الشأن
المصري، وتُعتبر بمثابة تدخل غير مقبول في شؤونها الداخلية", وفي رسالته
إلى الفاتيكان أكد وزير الخارجية "حرص مصر على تفادي تصعيد المواجهة
والتوتر على أسس دينية،كما حثَّ مسئولي الفاتيكان على الالتزام بذات الروح،
وتفادي إقحام الشأن المصري في تصريحاتهم، مضيفا "مصر لن تسمح لأي طرف غير
مصري بالتدخل في شؤونها الداخلية".
وفي ذات السياق, أشارت صحيفة "ديلي تلجراف"
البريطانية إلى استدعاء سفيرة مصر لدى الفاتيكان وما أحدثته تصريحات
بنديكيت السادس عشر من أزمة دبلوماسية "أنه بالرغم من نفي أن تصريحات
البابا أريد بها التدخل في شؤون مصر أو العالم الإسلامي, فقد قامت مصر
باستدعاء سفيرتها", حيث قال المتحدث باسم الفاتيكان يبدو أن هناك سوء تفاهم
ولا ينبغي المبالغة في كيل الاتهامات لنا بالتدخل في الشأن المصري
الداخلي".
ما وراء التصريحات
وأعقب
هذا الهجوم الضاري والتحركات الدبلوماسية احتجاجا على تصريحات بنديكيت
السادس عشر, فقد أعلن الفاتيكان أنه يتفق تماما مع الحكومة المصرية على
تجنب التصعيد في التوتر الديني واللعب على وتر الفتنة الطائفية، حيث صرح
وزير خارجية الفاتيكان في بيان له "أن الفاتيكان يشاطر كليا الحكومة
المصرية حرصها على تفادى التصعيد في الاشتباكات والتوترات على خلفية دينية،
ويثمن الجهود التي تبذلها بهذا الصدد".
لكن
يبدوا أن تصريحات بنديكيت السادس عشر المتعلقة بالأقليات المسيحية في
الشرق, باكستان ومصر والعراق ولبنان وغيرها من دول المنطقة، وكذلك التركيز
الإعلامي الغربي الواضح على ملف المسيحيين الشائك لم تكن مجرد تدخل في شؤون
دول عربية وإسلامية فحسب، وإن بدت كذلك، لكن الأخطر أن تكون وصاية من قبل
البابا على المسيحيين في جميع أنحاء العالم، أو محاولة لتأجيج لنار الفتنة
الطائفية.
--------------------
طالع...المصدر
تعليقات