"عملية السلام"..ميتٌ ينتظر الدفن!
ترجمة: حسن شعيب
حينما
فشلَت الولايات المتحدة في إجبار، أو حتى إقناع، نتنياهو بتجميد بناء
المستوطنات في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة كشرطٍ مسبق لإجراء محادثات مع
الفلسطينيين, فإنها بذلك قد أكَّدت للجميع بما لا يدع مجالًا للشك انتهاء
عملية السلام في الشرق الأوسط.
حقًّا
لقد ماتت عملية السلام في الشرق الأوسط تمامًا بعد إصدار الولايات المتحدة
مؤخرًا بيانًا تعلن فيه تخلِّيها عن محاولة إقناع بنيامين نتنياهو بوقف
الاستيطان في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة كشرطٍ مسبق لإجراء محادثات
مباشرة مع الفلسطينيين, ومع ذلك لا يهتم كثيرون بدفن جثة "عمليَّة السلام".
وحتى
يتمَّ دفن الجثة, تبدو الحكومة الائتلافيَّة اليمينيَّة تحت رئاسة نتنياهو
مرتاحةً لعدم استئناف المحادثات وفشل المفاوضات المباشرة, وبوجهٍ عام فإن
كل يوم يمضي دون التوصل إلى اتفاق نهائي هو بمثابة يوم آخر يمكن لخلاطات
الإسمنت أن تضع لبنةً جديدة في المستوطنات, أما القادة الفلسطينيون, الذين
يعترفون بإسرائيل, فما زالوا غير مستعدين لتنفيذ تعهُّداتهم بتقديم
الاستقالة, لأنهم بذلك سوف يفقدون المناصب والسلطة بالإضافة إلى الوزن
السياسي, وهذا ما جعل الفلسطينيين ينظرون إلى السلطة الفلسطينيَّة تحت
قيادة حركة فتح, والتي ربما لا تزال تتمتع بالشرعيَّة, باعتبارها بديلًا
للجنود الإسرائيليين.
أما
موعد تشييع جنازة "عمليَّة السلام" فلا تودُّ الولايات المتحدة تحديده؛
وذلك لأن الاعتراف بالموت الفعلي يستلزم التحقيق ومراجعة ودراسة 18 سنة من
التجارب العقيمة لما يُسمى بعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين،
وهذا ربما يُعد آخر أمرٍ يمكن أن يفكِّر فيه رئيس أمريكي مُقبل على
الترشُّح لفترة رئاسيَّة أخرى, كما أن الاستراتيجيَّة الجذريَّة لأوباما في
الشرق الأوسط تلاشت بالفعل, واستنفذ رصيد محاولاته السياسيَّة، ويحاول أن
يحافظ على ما تبقى في جرابه الدبلوماسي, هذه كلها أسباب تبدو مقنعة في
الوقت الراهن لعدم القيام بأي شيء.
وعلى
هذا الحال, ستظلُّ إسرائيل تفرض حلولها الخاصة بالدولة الواحدة, كما تبقى
القيادة الفلسطينيَّة ضعيفة ومنقسمة, وليس بِخافٍ على أحد أن ذلك كله يصبُّ
في مصلحة حركة حماس وغيرها من الحركات المسلَّحَة, حيث تؤكد أن إسرائيل لن
تقدم تنازلات إقليمية إلا عندما تُجبر على ذلك, وهذا ما ينذرُ في المستقبل
القريب بانتفاضة فلسطينيَّة ثالثة, وذلك في ظلّ التباين الواضح في
العلاقات بين إسرائيل، المتنامي وجودها ونفوذها، وفلسطين المتقلِّص دورها.
جديرٌ
بالذكر أن هناك بعض التحركات السياسيَّة التي يمكن أن تغيِّر المشهد
الجنائزي, وذلك بأن يقوم حزب العمل الإسرائيلي بالانسحاب من الائتلاف
الحكومي, وهذا بمثابة ورقة ضغط وتهديد لنتنياهو وحكومته, أما محمود عباس
فينبغي عليه أيضًا أن ينظر فيما يمكن أن يقدمه لوضع حدٍّ لهذا الواقع
الزائف، وإذا كان, حسب قوله, يترأَّس سلطة دون أية سلطة, فقد حان الوقت
لإنهاء هذا الوضع, فما الذي يمكن أن يخسره بالضبط؟ ينبغي على عباس تفكيك
السلطة الفلسطينيَّة، وهذا يعني العودة إلى الاحتلال الإسرائيلي المباشر,
ومطالبة الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينيَّة, أو تسليم الأمم المتحدة
المسئوليَّة عن الأراضي الفلسطينيَّة.
الغريبُ
في الأمر هو التناقض الموجود في قلب سياسة الولايات المتحدة, حيث أن دعمها
لإسرائيل ما زال دون قيدٍ أو شرط, حتى أن تقديم الولايات المتحدة مساعدات
بمليارات الدولارات لم يُحوِّلْ نتنياهو عن رأيه, لأنه يعرف أن هذه
المساعدات والإمدادات الأمريكيَّة بالأسلحة لن تتوقف بل ستستمر حتى في حالة
رفضِه ما يُمليه عليه أوباما.
-----------------
طالع..المصدر
تعليقات