صداع في رأس العلمانيَّة الإسرائيليَّة


ترجمة: حسن شعيب

مع زيادة النمو في أوساط اليهود الحريديم، يتزايد القلق بين الباحثين والمراقبين الإسرائيليين من أن هذه النزعة نحو اليهوديَّة الدينيَّة المتشدِّدة قد تعزل إسرائيل عن العالم الغربي، وتؤدي لنهاية العلمانيَّة في إسرائيل.


وفي هذا الصدد, يقول الدكتور زئيف دجاني, مدير مدرسة هرتسليا الثانويَّة في تل أبيب: "أخشى من مجرد التفكير فيما سنبدو عليه حينها، إن أحد الأشياء المحتمل حدوثها أولًا هو الفصل بين الرجال والنساء في الحافلات, وحظر المنتجات الغذائيَّة غير الموافقة للشريعة اليهوديَّة من المتاجر, ثم تشريع قوانين لتقييد حريتي في الحركة والانتقال، وبذلك سيتمُّ إعادة كتابة التاريخ".
ويضيف دجاني: "بهذا الأسلوب سيكون نظام الحكم دينيًّا، وسيتسم النظام التعليمي بعدم التسامح، لقد سمعنا جميعًا الحاخام عوفاديا يوسف يقول: إن الوثنيين الآخرين وُلِدوا لخدمتنا!".
من جانبه قال الدكتور دانييل هارتمان, رئيس معهد شالوم هارتمان في القدس: "أن تكون تلتزم الدولة بتعاليم اليهوديَّة الدينيَّة, يعني أن أي شخص يؤمن بالقيم الديمقراطيَّة لا يمكنه أن يعيش مع غيره من أصحاب وجهة النظر الدينيَّة المتشددة (الحريديم)".
هارتمان طرح عدة أسئلة عند حدوث ذلك: "هل سيكون النظام ديمقراطيًّا؟ وهل سيظلُّ للعرب حق التصويت؟ وهل ستكون هناك حريَّة دينيَّة للذين لا يوافقون على نهج (الحريديم)؟ هل سيكون هناك كنيست؟ أم ستكون السلطة الحاكمة هي المحكمة الحاخاميَّة؟ ماذا سيحدث في يوم السبت؟ بالتأكيد ستكون أماكن الترفيه مغلقة، لا أود إرهاب أحد, ولكن الدولة الملتزمة بالتعاليم اليهوديَّة والتي يمثلها (الحريديم) غير ديمقراطيَّة مطلقًا، أتمنى  أن يعود الناس إلى رشدهم قبل أن يحدث هذا, قد أكون متوهِّمًا حدوث ذلك لشدة حبي لإسرائيل".
العلمانيَّة الإسرائيليَّة تعتبر ذلك كابوسًا: فحينما تغرق البلاد في التشدد، وتمتلئ البلاد "بالحريديم"، بل ويصلون إلى السلطة, حينها ستتغير قواعد اللعبة, وستتغير معها معظم عاداتنا في الملبس والمأكل وغيرهما.
من أجل ذلك يرى البروفيسور دان بن ديفيد, الخبير الاقتصادي ورئيس مركز "تاوب" للسياسة الاجتماعيَّة، وفقًا لنتائج دراسة أجراها المركز, أن "نقطة اللاعودة" أصبحت أقرب مما كان متوقَّعًا في السابق, محذِّرًا من أن "إسرائيل لا يمكنها البقاء على قيد الحياة في ظلّ سيطرة الحريديم على سياسة الدولة".
ويشارك الكثير من العلمانيين والقوميين مع بن دافيد مخاوفه, إلا أن هناك كذلك عددًا متزايدًا من الناس لا ينظرون إلى المسألة على أنها تهديد وجودي ديموجرافي من قبل الحريديم على إسرائيل، وهو ما يرجعه مارك توين إلى وجود اتجاهات حالية داخل مجتمع الحريديم لا يمكن للإحصاء الكشف عنها؛ "لذا فالوضع ببساطة معقَّد للغاية ولا يمكن إجماله بهذا الشكل".
وتظهر الرسوم البيانيَّة على كمبيوتر بن دافيد المحمول، والتي تبدو وكأنها عملٌ فني ملون, "مسار نمو إسرائيل" وكيف كان ينبغي أن تكون بالمقارنة مع الدول الغربيَّة, وأين هي في الوقت الراهن، مبينةً كيف كانت إسرائيل تنمو  بشكلٍ مثير للإعجاب حتى السبعينيات, بل وتقترب من أمريكا، وفجأة بدأ المنحنى يهبط بقوة في الرسم البياني المعروف باسم "حرب يوم الغفران", التي تبين لاحقًا أنه مثل الفيروس الذي لا يمكن لأحد علاجه، ومن حينها لم يعد الرسم البياني قادرًا على استعادة صعوده السابق.
"لدينا دولتان هنا", يقول بن دافيد, "الدولة العالميَّة الأولى التي تعتبر رائدة, جنبًا إلى جنب مع دولة لا يحصل مواطنوها على الأدوات والظروف التي يمكنهم من التأقلم اقتصاديًّا مع العصر الحديث، وما يتضح بقوَّة أن الدولة الثانية في ازدياد مستمرّ من إجمالي عدد السكان, وكأنها مثل الثقل الذي يسحب كل شيء إلى أسفل.
ووفقًا لمعدل النمو الحالي, سيصل عدد الطلاب الحريديم والعرب بحلول عام 2040 إلى 78 ٪ من إجمالي طلاب المدارس الابتدائيَّة.
ويقول دوف لاوتمان, أحد الصناعيين: "هذه ليست توقعات, ولكنها الحقيقة, "إذا كان 20 ٪ من أطفال إسرائيل لم يدرسوا اللغة الإنجليزيَّة والعلوم أو الرياضيات مطلقًا في هذا الوقت, وخلال 20 عامًا سيزداد الرقم إلى 35٪, فهذا يعني أننا سنواجه أزمة عمالة كبيرة للغاية, وانخفاضًا في مستوى المعيشة, والدخل العام, واستثمارات الحكومة" وأضاف: "نحن اليوم, الأول قياسًا بالعالم الغربي في الفقر والأخير في مجال التعليم، وإذا واصلنا على هذا النحو ستنمو الفجوات, ولن نكون جزءًا من العالم الغربي".
يوجد لدينا هنا معركة بين ثقافات مختلفة, والسؤال المركزي هو: ما هي إمكانيَّة بقاء إسرائيل كدولة ديمقراطيَّة وغربيَّة في المستقبل؟

----------------
طالع...المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء