حبِّي للعربيَّة أرشدني للإسلام
ترجمة: حسن شعيب
ذات يوم كنتُ جالسةً في مسجد الحمراء بغرناطة, أُحدق في المخطوطات المعلَّقة على الجدران, والمكتوبة بلغة من أجمل ما رأيتُ في حياتي, فتساءلت "ما هذه اللغة؟" فأجابني من حولي: "إنها اللغة العربيَّة".
طالع...المصدر
في
اليوم التالي, سألتني مرافقتي في الجولة السياحيَّة أي لغة ترغبين البحث
عنها في الجولة الكتابيَّة؟ فأجبتُ: "العربية", فقالت مندهشة: "اللغة
العربية؟ وهل تتكلمين العربية؟", فقلت: "لا"!
وفي
نهاية رحلتي كانت حقيبتي مملوءةً بالأدلة السياحيَّة لجميع المواقع التي
زُرتها في إسبانيا باللغة العربيَّة، في الواقع, اضطررتُ للتخلِّي عن بعض
ملابسي حتى أتمكن من حملها معي، وتشبّثت بكتب اللغة العربية كما لو كانت
مصنوعةً من ذهب, وكنت أحب مطالعتها كل ليلة، وإلقاء نظرة على حروفها في كل
صفحة، شعرتُ بعد ذلك أنه ينبغي أن تكون لديَّ القدرة على كتابة هذه الحروف
الجميلة, وأنه لا بدّ من الاطّلاع على الثقافة التي تشمل هذه اللغة
الفنيَّة, فعزمتُ دراسة هذه اللغة عندما تستأنف الكلية العمل في الخريف.
قبل
شهرين فحسب, تركتُ عائلتي في ولاية "أيوا" بالولايات المتحدة, للقيام
برحلة في أنحاء أوروبا, وحدي، كنت في سنّ السادسة عشر فقط, وبسبب دخولي
جامعة نورث وسترن في الخريف, كنت أرغب في مشاهدة العالم في البداية, هذا ما
قلته لأصدقائي وعائلتي على الأقل, لكني في الواقع كنت أتحرَّى عن الأجوبة,
فقد تركت الكنيسة منذ بضعة أشهر ولم أكن أعرف إلى أين وجهتي, وبرغم أني لم
أكن أشعر بالراحة فيما أتلقاه من تعاليم, إلا أنني لم أكن أعرف أي بدائل.
وحيثما
نشأت وترعرعت, لم تكن هناك مساحة للارتباك أو الحيرة, فإما أن تكون جزءًا
من الكنيسة أو لا؛ لذا لم تكن لديَّ أي فكرة عن شيء آخر, وكنت أتمنى أن أجد
في أوروبا ما أبحث عنه.
وفي
كنيستي, لم يكن يسمح لنا بالصلاة لله, فقط يمكننا الصلاة ليسوع ونبقى على
أمل أن يقوم بتوصيل الرسالة إلى الله, وبالحدس شعرتُ بأن هناك شيئًا خطأً,
لذا ودون أن أخبر أحدًا, صليت "لله" سرًّا, لقد كنت أؤمن حقًّا أنه لا يوجد
سوى كينونة واحدة نصلها من أجلها, ولكني شعرت بالذنب بعد ذلك بسبب أن هذا
منافٍ لما أتعلمه.
بعد
ذلك لاحظت الخلط بين ما تعلِّمه الكنيسة يوم الأحد حول الصدق والرفق
والرحمة, وبين ما أشاهده من تصرُّفات وسلوك الناس بشكلٍ مختلف للغاية طوال
الأسبوع, بحثت عن بعض التوجيهات... ولكني لم أجد شيئًا.
وبعد
عودتي من رحلتي في أوروبا, ذهبت إلى الجامعة, شاعرةً بخيبة أمل لعدم عثوري
على أجوبة لما يحيِّرني, ولكن كانت هناك عاطفة قويَّة للشيء الوحيد الذي
حصلتْ عليه من رحلتي، وهو اللغة العربيَّة.
انخرطت
في دروس اللغة العربيَّة منذ اليوم الأول لي في الجامعة, وانغمست في
دراسات اللغة العربيَّة بالعاطفة ذاتها, ورجوتُ معلمي أن يمنحني بعضًا من
كتب اللغة العربيَّة حتى يمكنني إلقاء نظرة على نصّ المخطوطات, وبمرور
الوقت, وقدوم السنة الثانية من الجامعة, قرَّرت أنه ينبغي عليّ التركيز في
دراسات الشرق الأوسط، لذا, فقد التحقتُ ببعض الفصول التي تركِّز على
المنطقة, وفي إحداها كنا ندرس القرآن.
وذات
ليلة, فتحتُ القرآن حتى أقوم بواجباتي ولم أستطع التوقُّف عن القراءة,
وكأني أقرأ رواية جيِّدة ممتعة, فقلت لنفسي، متعجبةً: "رائع, هذا شيء عظيم,
وهذا ما آمنت به دومًا, إنه يجيب على أسئلتي, ويؤكِّد بما لا يدع مجالًا
للشك أنه لا يوجد سوى إله واحد".
لقد
شعرتُ بالذهول لوجود نصّ مكتوب يتناول كل ما أؤمن به ولديه أجوبة عما أبحث
عنه, وفي اليوم التالي ذهبت لأسأل عن مؤلِّف الكتاب حتى أتمكَّن من قراءة
المزيد من كتبه, حيث أن النسخة التي كانت معي كان منقوشًا عليها اسم,
فاعتقدت أنه مؤلف الكتاب, فأبلغني معلمي أن هذا ليس المؤلف ولكنه المترجم.
ومن
نافلة القول, لقد فُتنتُ به, بعد ذلك, أصبحت أكثر تشوقًا ليس فقط لدراستي
للغة العربيَّة, ولكن لدراسة الإسلام والذهاب إلى الشرق الأوسط.
لقد
كانت سنتي النهائيَّة في الجامعة, وذهبت إلى مصر لمواصلة دراستي, وقد
أصبحت "القاهرة الإسلاميَّة", المكان المفضَّل بالنسبة لي, فدائمًا كانت
تمنحني المساجد شعورًا بالراحة والخشية, وبدخولك إلى المساجد يمكن للمرْء
أن يشعر حقا بالجمال والقوة والخشية من الله, وكما هو الحال دائمًا,
استمتعت بالتحديق في الخط الراقي على الجدران.
وذات
يوم سألتْني صديقتي لماذا لا تعتنقين الإسلام ما دمت تحبينه كثيرًا,
فأجبتها "ولكني مسلمةٌ بالفعل", وهذا الجواب أدهشني شخصيًّا, ولكن بعد ذلك,
أدركت أن هذه مسألة بسيطة من المنطق والحس السليم, فالإسلام هو من أرشدني
إلى ما كنت أبحث عنه, وكنت على يقين بأنه الحق, إذن ما المتبقي حتى أعتنقه؟
أبلغتني
صديقتي أنه من أجل أن أكون مسلمةً بشكلٍ رسمي فيلزمني الذهاب إلى المسجد
وإعلان اعتناق الإسلام أمام اثنين من الشهود, وقد فعلتُ ذلك, لكني وبعد
تسلّمي شهادتي بدخولي في الإسلام وأني لن أتركه مطلقًا, فلم أكن في حاجة
إلى تعليق هذه الشهادة على الجدار لأثبت أني مسلمة, لقد عرفتُ أني أسلمت
منذ اللحظة التي تناولت فيها القرآن، لقد شعرتُ منذ الوهلة الأولى لقراءتي
القرآن أني عثرتُ على أسرتي المفقودة منذ زمن طويل, ومن ثَمَّ فقد علَّقت
صورة لمسجد الحمراء على الحائط بدلًا منها.
-----------------------------------طالع...المصدر
تعليقات