طاولة المفاوضات العرجاء
ترجمة: حسن شعيب
انطلقت
الأسبوع الماضي في واشنطن ما تُسمى بالمفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين
والفلسطينيين على طاولة واحدة، لكنها غير متوازنة بكل المقاييس، والهوَّة
التي تفصل بين الطرفين أكبر بكثير من أي وقتٍ مضى, بالإضافة إلى تباين
مواقف المتفاوضين, وربما يمثِّل عدم التوازن والترنُّح في المواقف بينهما
تهديدًا للمحادثات على نحوٍ خطير.
حقًّا
إنها طاولة عرجاء، ففي الوقت الذي يملكُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو القدرة على الوفاء بالتزاماته نجدُ أن الفلسطينيين ليس لديهم سلطةٌ
قويَّة مركزيَّة في ظلِّ الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة,
لذا فإن الفلسطينيين سيواجهون صعوبةً كبيرةً في تنفيذ الاتفاق، برغم أن
الكثير منهم لديهم الرغبةُ في ذلك, وبينما تسيطر إسرائيل على جميع مصادر
القوة المادية فإن الجانب الفلسطيني لا يملك سوى تقديم التصريحات والوعود
غير الملموسة.
والتباين
في المواقف بين الطرفين يبدو جليًّا, حيث أن نتنياهو يعمل ضمن إجماع داخلي
في قضية تلو الأخرى, تتصدَّرُها قبول حلّ قيام دولتين والإصرار على اعتراف
الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهوديَّة ورفض تجميد المستوطنات بالكامل بما
في ذلك القدس، ورفض أي شروط مسبَقَة للمفاوضات، ومواقفه هذه تتوافق مع
الشعب الإسرائيلي وتجد لها صدًى قويًّا بين أفراده، شأنهم في ذلك شأن كل من
اليمين المتطرف واليسار, أما عباس فقد سُحِب سحبًا إلى واشنطن دون حصوله
على أي شروط مسبقة.
ولم
تمرّ القيادة الفلسطينية عبر تاريخها بمرحلة ضعف أو هوان كوقتنا الحالي,
حيث أن المشاركة في المحادثات المباشرة قوبلت بالرفض من قِبل جميع الفصائل
الفلسطينية تقريبًا فيما عدا حركة فتح، كما يكمن التباين في قدوم عباس إلى
المفاوضات في واشنطن دون أن يحظى بالدعم حتى من قِبل من يساندونه, أما
نتنياهو فقد نال قسطًا وافرًا من الدعم حتى من جانب مَن يعارضونه.
وفي
الوقت الذي لا تتأثَّر فيه قدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات مستقلَّة
باعتمادها المتزايد على المساعدات الأمريكيَّة للخطر، فقد انعدمتْ قدرة
القيادة الفلسطينيَّة على اتخاذ القرار, حيث اتخذت معظم القرارات
الفلسطينية الأخيرة وفقًا للمطالب الدولية، على الرغم أنها تعتبرُ معارضة
واضحة لتطلعات الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من مراعاة ذلك فإن القادة
الفلسطينيين لا يعوّلون على الدعم الدولي، ويشعرون دومًا بالخذلان من جانب
واشنطن، في المقابل تحدت إسرائيل إدارة أوباما دون المساس بالعلاقات
الوثيقة مع واشنطن.
وفي
حال فشل المفاوضات، فإن الوضع الراهن لا يُمثل خطرًا وشيكًا على إسرائيل،
لأن الإسرائيليين تعلَّموا كيف يعيشون دون تحقيق ما يرجونه من وراء
المفاوضات أو التوصُّل إلى اتفاقيات سواء فيما يتعلَّق باعتراف الفلسطينيين
بالدولة اليهوديَّة أو توفير الأمن لأنفسهم.
وعلى
أية حال فإن عباس سيعود من واشنطن إلى مجتمع فلسطيني ممزَّق وعنيد, فإذا
ما نجح وعقد اتفاقية فسيطرح عليه الكثيرون سؤالًا: من الذي خوَّله السلطة
لعقدها والمقايضة بالحقوق الفلسطينية؟ أما إذا فشلت المفاوضات فإن العديد
سيصفونه ويتهمونه بأنه كان مخدوعًا ومغفلًا, وفي المقابل إذا عاد نتنياهو
إلى شعبه وقد عقد اتفاقًا سيعتبرونه زعيمًا تاريخيًّا, ولن يجد اليسار
سبيلًا سوى تحيته, وأما إذا انهارت المحادثات فسيقوم أتباعُه من اليمين
الإسرائيلي بشكرِه على موقفه الثابت في المفاوضات، في حين أن منتقديه
ومعارضيه من المرجَّح أن يلقوا باللوم على الفلسطينيين.
وسواءٌ
نجحت المفاوضات, وهذا غير محتمل, أم فشلت، فسوف تُصب جام اللعنات والسخط
على عباس, أما نتنياهو فسيفوز في الحالتين, وبذلك يصبح أحدهم خاسرًا حتى
وإن نجح، والآخر فائزًا حتى وإن فشل.. فهل هناك مفاوضاتٌ غير متوازنة كتلك؟
-------------------
طالع..المصدر
تعليقات