وهم "القبة الحديدية"
ترجمة: حسن شعيب
في
الآونة الأخيرة, انتابَ الجميع في إسرائيل شعورٌ هو مزيجٌ من الفرحة
والنشوة المفعمة برائحة الورود, وعدم الراحة والقلق من أن تبوء هذه التجربة
الأخيرة لنظام الدفاع الصاروخي أو "القبة الحديدية" بالفشل، فيصيرون
عرضةً، مرة أخرى لصواريخ حماس أو حزب الله.
وكانت
إسرائيل قد قامتْ بإجراء تجارب على نظام الدفاع الصاروخي "القبة
الحديدية", والتي تم إنشاؤها لاعتراض كل أنواع القذائف, من صواريخ القسام
والكاتيوشا وغيرها, داخل دائرة نصف قطرها حوالي 40 كيلو مترًا, وبرغم ذلك
فقد أبدى العديد من قادة الجيش الإسرائيلي تخوفَهم أن ينتهيَ المطاف بهذه
التجارِب إلى الفشل, إذا لم تلبّ التوقعات أو لم تكن منتشرةً على نطاق واسع
بالشكل الكافي.
وعلى
هذا المنْوال المتذبذِب جاءت تصريحات المسئولين في إسرائيل, بين متفائلٍ
ومتوجِّس من التجربة, فقال إيهود باراك, وزير الحرب الإسرائيلي: "إن
التجربة حدثٌ هام في منظومة جهاز الأمن والصناعات الدفاعيَّة", أما مدير
عام الوزارة, أودي شني, فقد وعد بالعمل "بجد ونشاط على نشر البطاريات في
المنطقة في أقرب وقت ممكن", وكذلك أشاد الجنرال آيتان إيشل, رئيس البحْث
والتطوير في وزارة الدفاع, بأداء الجهاز, وأيَّدَه في ذلك يوسي دروكر، رئيس
إدارة "القبة الحديدية" في "رفائيل".
وفي
ظل وقوعِه تحت تأثير الانطباع القوي للتجربة كتب عوزي روبن, أحد أساطين
مشاريع الأسلحة في إسرائيل: "إن ما حَدَثَ يعتبر علامة فارقة في مجال
التكنولوجيا العسكرية, فمن لم يشهد سحب صواريخ جراد المدمرة في السماء لم
يرَ مثل هذا العرض المثير في حياته, لقد أطلقوا صاروخًا يشبِه القسام، قصير
المدى للغاية وأطلقوا عليه صاروخًا من القبة, وعندما وصل القسام إلى منطقة
الاعتراض، انقضَّ عليه صاروخ القبَّة مثل البرق وحوَّله إلى موجةٍ من
الشظايا.
لم أَرَ مطلقًا شيئًا كهذا في حياتي, وحتى الناس في "رفائيل" أصابتهم الدهشة".
ولكن,
بالرغم من الإعجاب والثناء الذي يستحِقُّه المهندسون في رفائيل لتطوير
الجهاز في وقتٍ قياسي, فالحقيقة أن قدرات ونتائج التجربة أكثر تعقيدًا, وهو
ما أكَّدَه الدكتور ناثان فاربر, محاضر علم الطيران في التخنيون, وعالم
الصواريخ السابق للصناعة العسكرية, بسبب عدم تحمسه وتشككه في الأمر برمته.
وأعرب
فاربر عن تحذيره من نقاطِ الضعف الكائنة في القبة الحديدية, مشددًا على
ضرورة التركيز على الدفاع عن سديروت, مضيفًا: "لا أزعم أن القبة الحديدية
لا يمكنها اعتراض الصواريخ, بل هي قادرةٌ على اعتراض صواريخ يبلغ مداها 20
كيلو مترًا, إلا أن المشكلة هي أن لديها نقاط ضعف, وهم يحاولون إخفاءها عن
الجمهور".
أبرز
نقاط الضعف هذه هو أن النظام الدفاعي لـ "القبة الحديدية" تم إنشاؤُه
لاعتراض صواريخ مداها أكبر من 4.5 كيلو متر، لذلك لا يمكنها اعتراض قذائف
الهاون وصواريخ القسَّام التي تُطلق على سديروت والمناطق المتاخمة لقطاع
غزة طيلة السنوات الماضية, وهي السبب في العمل على تطوير "القبة الحديدية"
في المقام الأول, كما أن تجارب الاعتراض كانت على صواريخ مائلة المسار, أي
أن المسارات المستوية لم يتمّ تفحصُها في هذه التجربة, وهو ما سيظلُّ نقطة
ضعف للنظام الدفاعي ولن تتبيّن قدرته (للأسف الشديد) إلا في الحرب فقط".
يُشار
إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان قد طلب من "الكونجرس" الإسراع في
تمويل مشروع "القبة الحديدية", لاعتراض الصواريخ التي يمكن أن تتعرَّض لها
إسرائيل من لبنان أو سوريا أو قطاع غزة، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفته 210
ملايين دولار بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن المقرَّر أن يدخل
الخدمة ويتم نشرُه على المناطق في إسرائيل في نوفمبر القادم.
وصرَّح
يوسي دروكر, رئيس إدارة القبة الحديدية في مقابلة صحفيَّة مع وسائل
الإعلام الأمريكية أن سعر كل صاروخ في هذا النظام الدفاعي أو القبَّة
الحديدية تبلغ تكلفته 100 ألف دولار، فيما يعدّ تكلفة باهظة للغاية من أجل
إعاقة صاروخ إنتاج محلي لا تتعدى تكلفته سوى 100 دولار, وللعمل على إزالة
كل شبهة حول جاهزية القبة الحديدية, فقد اقترح بعض الخبراء العسكريين على
"رفائيل" والجيش الإسرائيلي الآتي, التغيير المستمر لمكان القبة الحديدة
ووضعه في أماكن خفية بعيدة عن الأعين حتى يتم "إرباك مَن يُطلق الصواريخ".
في
نهاية المطاف, ربما تكون هذه القبة الحديدية وهمًا كبيرًا يعيشه الشعب
الإسرائيلي وقادة جيشه, حيث أنه برغم نجاح التجربة المبدئية, فإنها لا تزيد
عن كونها سوى تجارب, ولا تعكس مطلقًا حالة اليقين في ساحة المعركة, لأنه
دومًا يوجد فارق كبير بين إطلاق الصواريخ في تجربة مخطّط لها ومعد لها
سلَفًا وبين إطلاقها في ظروف مجهولة في ميدان الحرب.
----------------
تعليقات