أكثر من مجرد مسجد
ترجمة: حسن شعيب
يشغلُ
بال العديد من الأمريكيين حاليًا الجدل الدائر حول بناء مسجد بالقرب من
نقطة الصفر, وأكثر ما يثيرُهُم في هذا الصَّدَد تلك الخطابات المشينة التي
تفوح منها رائحة التعصب، والتي يخشون من أن تضرَّ بالقوميَّة الأمريكيَّة
بصورة غير مسبوقة.
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرَتْه مؤسسة راسموسن, فإن 85٪
من الأمريكيين يقولون إنهم يتابعون الجدل الدائر حول المسجد, بزيادة قدرها
35٪ عن إحصاء مستوى الاهتمام الذي أُجري الشهر الماضي, أي أن 6 من كل 10
أمريكيين يقولون إنهم يتابعون الحدث عن كَثَب.
وفي استطلاع آخر أجرته مجلة "تايم" الأمريكية أعرب 46٪ من الأمريكيين عن اعتقادهم بأن الإسلام يحضُّ على العنف ضد غير المسلمين، وأبدى 61٪ منهم معارضته لإقامة المركز الإسلامي في هذا الموقع، بينما أيده 26٪ فحسب، في حين اعتبره 44٪ منهم إهانةً للذين لقوا حتفهم في أحداث الـ 11 من سبتمبر.
تحوُّل خطير
وتعدُّ
الطريقة السريعة التي تحوَّل بها هذا الجدل الدائر من مجرَّد اعتراض
مبدئي, إلى معارضة شامِلة للإسلام في أمريكا، أحد أكثر الأشياء المحزنة,
برغم أن الداعمين للمركز لديهم الحق القانوني والدستوري.
إنه
منزلق يمكن التنبؤ به تمامًا، في البدء ألقيت بالمسئوليَّة الجماعيَّة
لأحداث 11 سبتمبر على المسلمين في الولايات المتحدة، وقام الأمريكيون
بتعميم عبارات التعصُّب ضد المسلمين عامَّة، وهاهم الآن يقومون بتنظيم
حملات لمعارضة بناء المساجد في أماكن بعيدة عن نقطة الصفر, كما في
ويسكونسن, وتينيسي وكنتاكي، وفي سانتا كلارا اعترضت مجموعة على بناء مسجد
بالإضافة إلى مئذنة, وفي تيميكولا, طالب القس بيل رينتش بضرورة عدم السماح
لجيرانه المسلمين ببناء مسجد على موقع مجاور لكنيسته المعمدانيَّة.
لمَ كل هذه الضجَّة والتداعيات؟ هل يرجع ذلك إلى "الإسلاموفوبيا" ونوازع الخوف من الإسلام بعدما تصاعَد الخطاب
المحرِّض على كراهية المسلمين وصار أكثر رواجًا واحتدامًا؟ إذا كنت مسلمًا
في أمريكا, فينبغي عليك أن تتحمَّل الرماحَ والسهام التي توجَّه إلى دينك،
ليس في فناء المدرسة أو المكتب بل وحتى خارج دور العبادة والميادين
العامة، حيث دأب بعض رجال الدين والزعماء السياسيين النافذين دون تريُّث
على أن يقرنوا الإسلام بالإرهاب والهمجيَّة، بل والنازية.
مآرب سياسيَّة
ربما
يكون السبب في هذه الجلبة, وهو أشد جوانب هذه القضية أسفًا, هو استعداد
البعض لاستغلالها لتحقيق مآربِه، على سبيل المثال قام مرشح الرئاسة
الجمهوري "نيوت جينجريتش" بتشبيه هؤلاء الذين يدعمون بناء المسجد
بالنازيين، أما عضو اللجنة القوميَّة للجمهوريين من ولاية أيوا فقد أصرَّ
على أن الرئيس أوباما مسلم، كما أخبر الإنجيلي فرانكلين جراهام "سي إن إن"
أن الرئيس أوباما يحمل "بذور الإسلام".
ومن
بين اللغْو الخطير المتداول لم يكن هناك أخطر مما نشرته مؤخرًا مجلة
"ناشونال ريفيو أون لاين" حيث زعمت نيناشيا, زميل بارز في معهد هدسون, بأن
المسجد قد أثار "نقاشًا ساخنًا" حول "حدود" الحرية الدينية "في عصر الإرهاب
الإسلامي", كما ادَّعت أن الحكومة الفيدرالية لديها الحق في "الدفاع عن
نفسها" ضد "ترويج أفكار متطرِّفة تترس بالإسلام".
نحن في حاجة للتوقف, وأخذ نفس عميق جماعي، والتراجع عن الحافَّة, لأن الهاوية على الجانب الآخر مظلمةٌ وعميقة.
طالع..المصدر
تعليقات