المأساة الصامتة
ترجمة: حسن شعيب
لاحتْ
في الآونة الأخيرة بوادر تحريك لملف حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان,
وربما يحصلون أخيرًا على بعض حقوقهم، وفي هذا الشأن قام الكاتبان, تايلور
لونج – أليستر هاريس بعمل تقرير حوْل هذه المأساة، في مجلة فورين بوليسي
الأمريكية.
في
البداية سلَّط الكاتبان الضوء على ما حدث عام 2007، حيث تسلَّلت (جماعة
فتح الإسلام) إلى مخيَّم نهر البارد في شمال لبنان, وقاموا بالاشتباك مع
الجيش اللبناني في معارك دامت طيلة ثلاثة أشهر، مما أسفر عن مقتل ما يزيد
على 450 شخصًا وتشريد 30 ألفًا من السكان وتدمير المخيم بالكامل.
وأرجَعَ
الكاتبان ما يحدث في هذه المخيَّمات من هضْم لحقوق الفلسطينيين إلى
التهميش العمراني والتمييز القانوني الذي يعاني منهما قرابة 300 ألف
فلسطيني في لبنان، مما يمثل حافزًا للصراعات والعُنْف, وهذا يعني أن الحقوق
الفلسطينية ترتبط ارتباطًا لا يمكن فصلُه بالأمن اللبناني, وعلى حد تعبير
تقرير مجموعة الأزمات الدولية في فبراير 2009 فإن (الوضع في المخيمات يشبه
القنبلة الموقوتة)، ولكن وحتى وقت قريب لا يبدو أن النواب اللبنانيين
يقومون بأية إجراءات لحلّ هذه المشكلة.
ثم
أشار الكاتبان إلى أن بوادر تحريك للملف الفلسطيني تبدو في الأفق, وذلك في
تطوُّر ملحوظ يوم 15 يونيو, حينما قام البرلمان اللبناني بالنظر في سلسلة
تعديلات من شأنها أن توفِّر للاجئين الفلسطينيين قدرًا من الحقوق الأساسية,
مثل توسيع فرص العمل, والاستفادة من الضمان الاجتماعي والملكية وغيرها من
الحقوق، وقد تأجَّل النظر في هذه المشروعات حتى منتصف أغسطس بعد معارَضة
بعض النواب اللبنانيين بحجة التروِّي في اتخاذ القرار.
وفي
وقتنا الحالي يحرم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من الحقوق التي يتمتَّع
بها اللاجئون الفلسطينيون الآخرون في سوريا أو الأردن، رغم أن حال
الفلسطينيين في لبنان لم يكن كذلك في السابق, إلا أن مشاركتَهم في الحرْب
الأهليَّة اللبنانية التي دامتْ 15 سنة، وكان لهم فيها دور عسكري وسياسي
رئيسي, هي التي حرمتهم من الكثير من حقوقهم، فبعد أن وضَعَت الحرْب
أوزارها، أخذت الحكومة اللبنانية تدريجيًّا تجرِّد الفلسطينيين من حقوقِهم
التي كانوا يتمتعون بها.
ويقول
أحدُ اللاجئين الفلسطينيين الساكن في مخيم البداوي ساخرًا: "الفلسطيني
محروم من كل شيء، ومن يدري، ربما يصدرون قرارًا في الوقت القريب يخفض نسبته
من الأكسجين، نحن الفلسطينيون محرومون من جميع حقوق الإنسان, سواء فيما
يتعلق بالعمل أو الصحة أو التعليم أو الأمن أو الإقامة أو المسكن، نحن نعيش
في خوف مستمِر".
ومعظم
الفلسطينيين في لبنان يعيشون في المخيَّمات وفي ما يقرب من 50 تجمعًا غير
رسمي يقع على مشارف المدن اللبنانية الرئيسية، ويحظر على الفلسطينيين
ممارسة 25 مهنة، بما فيها الطب والمحاماة والهندسة, وعمليًّا يحظر عليهم
ممارسة جميع المهن فيما عدا الوظائف الوضيعة، ووفقًا لما كشفت آخر دراسة
إحصائية أجرتها مؤسسة الأبحاث النرويجية (فافو) فإن الفلسطينيين في لبنان
يعيشون حالةً من الفقْر المدقِع.
تقوم الأونروا برعايتهم.
من
جانبِه دعم رئيس الوزراء اللبناني, سعد الحريري بقوَّة التشريع الجديد
لمساندة حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وشبَّه الحريري إساءة معاملة
الفلسطينيين من قبل الحكومة اللبنانية بما تفرضُه إسرائيل من حصار على قطاع
غزة، وقال محذِّرًا لما يراه من الوضع المسيء الذي يعيشه الفلسطينيون:
"يوجد في لبنان اليوم من يخرج في أساطيل المعونات والإغاثة لرفع الحصار
المفروض على الفلسطينيين في غزة، ولكني أحذرهم أنه ربما يأتي اليوم الذي
نرى أن العالم يتوجَّه إلى لبنان لرفْع الحصار عن سكان المخيَّمات
الفلسطينيَّة".
وفي
نهاية المطاف وبسبب إثارة هذه القضية, فإن الرهانات التي تتعرَّض لها
لبنان عالية وكبيرة للغاية, حيث إنه عند الموافقة على التعديلات ومرورها
دون عقبات فمن المقرَّر أن نرى تحسيناتٍ في المخيَّمات الفلسطينية واستقرار
الأوضاع هناك مما قد يُسهِم في استقرار لبنان، لتصبحَ قادرةً على ممارسة
سيادتها في اتخاذ القرارات بشكلٍ مستقلّ عن الضغوط الإقليميَّة, كما توفّر
هذه التعديلات فرصةً لتعزيز الانسجام بين الفلسطينيين داخل لبنان،
وبالتالي تتحسَّن العلاقات بين فتح وحماس في لبنان.
أما
إذا فوَّتت لبنان هذه الفرصة, فإن أوضاع المجتمع الفلسطيني في لبنان سوف
تشهد استمرارًا لحالة التدهور المتزايد، وهذا سيضر بالمصالح اللبنانية
والفلسطينية والإقليمية وكذلك بمسيرة السلام في الشرق الأوسط.
------------------
طالع..المصدر
تعليقات