تطهير عرقي في النقب
ترجمة: حسن شعيب
قرية بدوية بأكملها قامت القوات الإسرائيلية بتخريبها وهدمها، مما يُظهر إلى أي مدى يمكن أن تذهب إسرائيل من أجل تهويد النقب.
في
الوقت الذي كنت أقود فيه سيارتي قبالة قرية الرقيب, والتي تقع على قرابة
10 دقائق من مدينة بئر السبع, شاهدت قافلة جرّافات إسرائيلية آفلة من هذا
الاتجاه، وبمجرد دخولي إلى الطريق الترابي المؤدِّي إلى القرية البدوية
شاهدت العشرات من الشاحنات الصغيرة وبها العديد من رجال الشرطة الإسرائيلية
المدجَّجين بالسلاح يستعدون للمغادرة, على ما يبدو بعدما قاموا بإنجاز
مهمتِهم.
وبعد
رحيلهم, كانت علامات الدمار واضحة تمامًا في القرية، في البداية لاحظتُ
الدجاج والإوز يركض قرب منزل محطم, ثم رأيت بعد ذلك العديدَ من المنازل
التي صارت جميعها تحت الأنقاض, كما شاهدت حفنةً من الأطفال يحاولون العثور
على مكان في الظل للاختباء من حرارة شمس الصحراء الحارقة, بينما كانت
الأدخنة السوداء ترتفع من ورائهم من داخل الأبنية المحترقة, إلا أنني لم
أرَ أيًّا من الأغنام والماعز أو الماشية في أي مكان هناك, وذلك ربما بسبب
أن القوات الإسرائيلية صادرتها واستولتْ عليها.
في
أقل من ثلاث ساعات دُمرت قرية بأكملها, تضم ما بين 40 و 45 منزلًا, ووقف
العشرات من رجال البدو على تلة صفراء, حيث يتشاركون ويتقاسمون فيما بينهم
التجارب والمعاناة التي رأوها منذ ساعات الصباح الأولى, بينما كانت تحوطهم
أشجار الزيتون المقتلَعَة والملقاة على الأرض.
وفجأةً
وجدت نفسي أسترجع شريط الذكريات التي رأيتها من قبل, عندما كنت أسير على
أنقاض قرية دُمرت في مكان ما على مشارف مدينة صيدا اللبنانية، كان ذلك منذ
أكثر من 25 عامًا, خلال خدمتي في قوات المظلات الإسرائيلية، لكن في لبنان
كان سكان القرية قد فروا جميعًا قبل وقت طويل من الإغارة على القرية, ثم
قُمنا بعد ذلك وبدون عناء وبسهولة بالسير وسط الأنقاض والحطام، كان هناك
شيء غريب وكأنه حلم في هذه التجربة, لم أفهم مغزاها كاملًا لعدة سنوات, فقد
شعرتُ في ذلك الوقت وكأنني أسير على سطح القمر.
أما
هذه المرَّة فقد ترسبتْ آثار الدمار الذي شاهدتها في نفسي فورًا, ربما لأن
الثلاثمائة مواطن الذين كانوا يقيمون في قرية الرقيب مع أطفالهم, وتم
تشريدهم بفعل الدمار الذي أحدثته القوات الإسرائيلية كانوا يجلسون وسط
الأنقاض لدى وصولي, وكانت الحسرة واضحةً على ملامحهم, أو قد يكون لأن
القرية لا تبعُد سوى 10 دقائق من بيتي في بئر السبع، لذلك فأنا أمرُّ عليها
كلما توجهتُ إلى تل أبيب أو القدس, أو ربما برغم أن هؤلاء البدو مواطنون
إسرائيليون, فإني فهمتُ فجأةً مدى استعداد إسرائيل للذهاب إليه لتحقيق
هدفها المتمثل في تهويد منطقة النقب, وبعد كل شيء فقد كان ما شاهدته عبارةً
عن أحد أعمال التطهير العرقي.
يقولون
إن الانتفاضة القادمة ستكون انتفاضةَ البدو, حيث يوجد 155 ألف بدوي في
النقب, ويعيش أكثر من نصفهم في قرى غير مأْهولة وبدون كهرباء أو مياه صالحة
للاستخدام, لا أعرف ما يمكن أن يفعله هؤلاء في المستقبل, لكن وبعد تشريد
أكثر من 300 شخص وتركهم بلا مأوى, منهم 200 طفل, فإن إسرائيل بالتأكيد
تزرعُ بذلك أسنان التنين للمستقبل.
----------------
طالع..المصدر
تعليقات