"إسرائيل".. مأساة الغرور


ترجمة: حسن شعيب

مشكلةُ المشاكل التي نُعاني منها في إسرائيل, وتضرب بجذورها في أعماق شعبنا, هي الاعتقاد بأننا، نحن اليهود, أفضل وأكثر حكمةً من العرب وغير اليهود.

من حقِّ كل إنسان أن يفتخر ويعتزَّ بنفسه، كما يحق له أن يفتخر بأمته, وهذه ضرورةٌ طبيعية في البشر, وبرغم ذلك فإنه من الصعب على أي شخص التمييز بين الفخر والغطرسة أو الغرور, وهذا ما يتطلب ذكاءً وحكمة وتواضعًا.
ومنذ فجر التاريخ, يدركُ الجميع أنه عندما يتضخَّم الفخر والكبرياء ويتحوَّل إلى الغطرسة والغرور فإنه يصبحُ عقبةً كئودًا في طريق الأفراد والجماعات. وقديمًا وصف الإغريق الغطرسة (أو الغرور, كما أطلق عليها) بأنها خطيئةٌ من شأنها أن تؤدي بالضرورة إلى مأساة, وهذا ما أثبت التاريخ صدقَه.
هذه الغطرسة تضربُ بجذورها في أعماق الشعب الإسرائيلي وكيانها منذ نشأتها, فكثيرًا ما نسمع, نحن شعب الله المختار.. وأن العالم كله ضدنا.. وأن إرادة الله إلى جانبنا.. ومن كان ضدّ إسرائيل فهو أيضًا ضد الرب، ونسينا كيف حصلنا على هذا الوطن منذ فترةٍ وجيزة، بعد أن سعينا له طوال تاريخنا, على الرغم مما ندَّعِيه من دعْم الله لنا.
ولقد اكتسبت هذه الغطرسة التوراتية المقدسة زخمًا مع نشأة الدولة الإسرائيلية, مما أثار مصطلح القومية لدينا, والزعم بأننا الأعلى في كل شيء, فقلنا إن لدينا أفضل قواتٍ جوية, وأن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقيَّة في العالم.
إلا أن هذه القوميَّة صارتْ مشئومة؛ لأنها تشمل مطالب ثابتة, وإحساسًا بالتفوق والسيادة, وهذا ما يُذكِّي لدينا روحَ الغطرسة, ويُسهِم في تحوُّل هذا الإحساس الوطني إلى آخر يتَّسِم بالشرّ.
الغرور والغطرسة من شأنهما أن يستخِفَّا بالآخر, كل الآخر, بل ومَن هم على صلة قوية به, ومن تلك النقطة, وبطبيعة الحال, لا يمكن مقارنة الأم اليهودية من الأشكناز مع الأخرى اليهودية المغربية أو الإثيوبية.
الوقوع في الأخطاء ذاتِها
إن الأخطاء المصيرية التي ترتكبها الجهاتُ الأمنيَّة السياسية هي نفسها الأخطاء الفادحة التي تقع فيها الجهاتُ الدينية, فهما دائرتان متداخلتان (سياسية ودينية) نتجا عن الغطرسة والشرّ الإنساني, وبالتالي فإنها في نهاية المطاف تهدِّد وجودَنا كدولة, حينما نفشل في كبْح جماحِهما.
ولنبدأ سويًّا بالمسرح السياسي الأمني.. عندما نرغبُ في تقدير ردّ فعل جيراننا أو أعدائنا تجاه مبادراتنا, فإن الغطرسة تمنعنا من الاقتراب خطوةً منهم ومحاولة فهم ردّ فعلهم على وجه التحديد كما لو كنا نحن في مثل موقفهم, وهذا الافتراض الأساسي الزائف الذي تنتهجُه قواتُ الأمن, وهو تصوُّر أن العرب ضدنا وأن حكمتهم أقلّ منَّا, من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى الفشل, وقد كنا نتجرَّع نتائج هذا التفكير نفسه طيلة 100 عام حتى الآن, وعليه فما نزال نرتكبُ الخطأ ذاته.
وتنبع الغطرسةُ الدينية والعرقيَّة التي نراها في منطقة "عمانوئيل" والمعاهد الدينية اليهودية, من نفس المصدر: غطرستنا ضد العرب, وضد غير اليهود عامة, ويهدِّد هذا الصَّلَف والغرور وجودَنا بنفس القدر, ويولد الحروب, وهي أخطر المآسي الإنسانية التي  نراها أحيانًا في لبنان أو غزَّة, وربما في إيمانويل أو بيت شيمش.
وإذا فشلنا في الخروج من هذه الدائرة, "أننا أفضل وأكثر عدلًا من أي شخص آخر", سنجدُ أنفسنا, لا ريب أمام عملية من شأنها أن تقسمنا إلى شعبين في دولتين, دولة يهودية بزعامة الحاخامات, وأخرى علمانية تخضعُ لقوانين من صنع البشر, وسوف تضعف كل منهما الأخرى, حتى نصل إلى الفصل الأخير في هذه المأساة اليونانيَّة الكلاسيكية, والتي نقترب من ذروتِها في الوقت الحالي.

-------------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء