"أميري".. جاسوس أم مختطف؟
ترجمة: حسن شعيب
عندما
تتعلق الأمور بعالم المخابرات تتداخل الملفات، ويعتري الأمور الكثير من
الغموض، وتصبح الأحداث مليئة بالألغاز. وأقرب الأمثلة على ذلك هو لغز
اختفاء العالم الإيراني في السعودية "أميري شهرام" قبل أكثر من عام، وظهوره
فجأة مؤخرًا، في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تابعته وسائل الإعلام
العالمية بشغف، وحاولت جاهدة فك رموزه.
الرواية الإيرانية
تبدأ القصة, حسب الرواية الإيرانية, التي يقصها أميري نفسه في شريط فيديو تم بثه في مطلع يونيو عبر التلفزيون،
من المملكة العربية السعودية "منذ أكثر من عام كنتُ أؤدي مناسك العمرة,
وذات ليلة، بينما أنا متوجه للصلاة بالمسجد القريب من الفندق, إذ توقفت
سيارة بيضاء أمامي, ثم قال لي ركابها بالفارسية: نحن ذاهبون إلى المسجد
ويسعدنا اصطحابك معنا, وعندما فُتح باب السيارة، صوب أحدهم سلاحه تجاهي,
مهددًا: "التزم الصمت ولا تحدث جلبة".
يكمل
"أميري" فيقول: "بعدها خدّروني، وعندما أفقتُ, وجدت نفسي على متن طائرة
كبيرة, وكنت معصوب العينين, وقد عرفت من محركاتها أنها طائرة عسكرية,
واقتادوني إلى "الأراضي الأمريكية"، لقد تعرضتُ لضغوط نفسية مكثفة كي أظهر
في شريط فيديو وأقول لوسائل الإعلام الأمريكية إنني فررت من إيران ولجأت
إلى أمريكا بمحض إرادتي مقابل10مليون دولار, واشترطوا علي ألا أتحدث عن
اختطافي حتى يُسمح لي بالعيش في حرية في توكسون بولاية أريزونا". وبعد
ذلك, حسب قول العالم الإيراني, تمكن من الهرب بمساعدة أصدقاء لم يسمهم، ثم
لجأ إلى مكتب السلك الدبلوماسي الباكستاني الذي يقوم برعاية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة في "جورج تاون".
الرواية الأمريكية
أما
الرواية الأمريكية, فقد نفت، ما نُسب إلى جهازها الاستخباراتي من اختطاف
أميري، وأكدت أنه كان لديه كل الحرية في المجئ والذهاب كيفما يريد, حيث
قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون: "كان العالم الإيراني أميري
في الولايات المتحدة بمحض إرادته. وكانت لديه الحرية كذلك في مغادرتها",
ثم دعت السلطات الإيرانية، في المقابل، إلى إطلاق سراح ثلاثة أمريكيين محتجزين لديها.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية "بي جي كراولي": "إن أميري كان في الولايات المتحدة بمحض إرادته, وهو حر في مغادرتها" وقد اعتمدت أمريكا في روايتها على شريط
فيديو، بُثَّ في وقت لاحق على "يوتيوب"، لرجل يُطلق على نفسه أميري أيضا,
يقول فيه إنه كان يدرس بالولايات المتحدة وأنه سعيد لوجوده في البلاد.
ثمة لغز يلف هذه القضية برمتها, دفع مجلة تايم الأمريكية للتساؤل: هل كان العالم الإيراني جاسوسا لأمريكا، أم كان محتجزا لديها؟
حبكة هشة
كلتا الروايتين يشوبهما الغموض, والركاكة، وهشاشة الحبكة.
فالرواية الإيرانية, لا
يمكن تصورها، وتثير بعض الأسئلة التي لم يُرَد عليها: إذ كيف لرجل مختطف,
حسب زعمهم, أن يقوم بتصوير أشرطة فيديو؟ وكيف تمكن من الهرب من وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية؟ ومن هم بعض "الأصدقاء" الذين ساعدوه وكيف
تواصلوا معه؟ وإذا
كان الأمر كذلك، ألا يبدو منطقيًا أن السلطات الأمريكية ارتكبت خطأ
فادحًا, حين سمحت له السلطات بأن يمضي في حال سبيله؟ وهل كان طوال تلك
المدة عميلا مزدوجا زوَّد محققيه بمعلومات استخبارية مغلوطة؟
أما الرواية الأمريكية, فهي ليست مقنعة بالمرة وتُشعِرك كما لو أنها (رواية بوليسية)، وهو ما لفت أنظار "ذي اندبندنت" البريطانية، فتسائلت: إذا
كان أميري جاء إلى الولايات المتحدة برغبته, فما الداعي لسعيه الآن للعودة
إلى طهران وتعريض نفسه لمواجهة ما لا يحمد عقباه من السلطات الإيرانية،
على الرغم مما زعمته أمريكا أنه عاد إلى إيران بعدما مارست إيران ضغطا على
عائلته وتهديدا بضرورة عودته؟
سري جدًا
وبشكل
عام, سواء كان عن طيب خاطر أو بالإكراه، فقد ساعد هذا العالم الإيراني
أميري الولايات المتحدة, في الكشف عن معلومات جديدة عن إيران وأنشطتها
النووية,
حيث قالت الاستخبارات إنه قدم تفاصيل عن منشأة تخصيب اليورانيوم السري
الذي يجري بناؤها قرب مدينة قم الإيرانية, والتي كشفتها بريطانيا والولايات
المتحدة وفرنسا في سبتمبر الماضي في قمة مجموعة العشرين, حيث قال فيها أوباما إن إيران قامت ببناء منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم داخل جبل قرب مدينة قم.
لذلك ترغب السلطات الإيرانية في معرفة كم المعلومات التي قدمها أميري للولايات المتحدة, فالرجل كان يعمل قبل اختفاءه باحثا
في جامعة مالك اشتار بطهران، ويعتقد أنه عمل في منظمة الطاقة الذرية
الإيرانية, وقد بدا وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي, متحفظا عندما قال
"إن الحكومة سوف تنتظر حتى تعرف ما حدث خلال العامين الماضيين, وبعد ذلك
سنرى إذا ما كان بإمكاننا اعتباره بطلا ".
تساؤلات ربما تبقى إجاباتها معلقة في اللامكان، لفترة، أو.. إلى الأبد.
--------------------
طالع..المصدر
تعليقات