حظر النقاب.. الاضطهاد مجسدًا!
ترجمة: حسن شعيب
صَارَ
من الواضح أن فرنسا لديها فوبيا اللباس الإسلامي, فقد قامت في عام 2004
بحظْر ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية, ومرة أخرى تعود المرأة المسلمة
في الآونة الأخيرة إلى دائرة الضوء, وباعتباري مسلمة إسكتلندية, فقد سئمتُ
من محاولات الحكومات الغربية لفرض قِيَمِها على النساء المسلمات في
بلدانها, وبسبب نشأتي في إسكتلندا, فقد غُرِست داخلي مبادئ مثل حرية
التعبير واحترام جميع الأديان, ويبدو أن هذه الرؤية لا يتفق عليها الجميع.
انقطاع التواصل
عبثًا,
تزعم الحكومة الفرنسية أنها تريد مساعدة النساء المسلمات, لكنها تأمرهن
وتفرض عليهن ما ينبغي ارتداؤه، وهي بذلك تسلبهن حقّ الاختيار والتعبير
بحرية عن أنفسهن, وما النتيجة؟ النساء الذين يتعرَّضْن للقمع على أيدي
أزواجهن, سيتعرَّضْن لاضطهاد إضافي من قِبل الحكومات, لكن ما يدعو للسخرية
أن معركة القمْع وحظْر ارتداء النقاب, حازتْ على شعارات رنَّانة, ومنها ما
قرأته, أن فرنسا ترى النقاب رمزًا لاستعباد المرأة, وأن الرجل يلعب دور
محرك الدُّمَى في هذه المسألة.
وإذا
فرضنا أن هناك بعض النساء اللواتي يُجبَرن على ارتداء النقاب, فينبغي
علينا مساعدتهن، يبدو أن هناك مشكلة تعاني منها فرنسا في التواصل والحوار
مع الجالية المسلمة, فهل أُجرِيَت أي بحوث لمعرفة لماذا تقرِّر المرأة
ارتداء النقاب؟ وهل قام وزراء الحكومة الفرنسية بزيارة المسجد أو التحدُّث
إلى أحد العلماء المعروفين؟ ومن ثَمَّ أطلق ساركوزي مقولته الشهيرة: إن
النقاب "غير ديني".
وبصفةٍ
شخصية, لا أعرف أيًّا من النساء اللاتي يرتدين النقاب, ولكني شاهدت
البرامج التي تتناول هذه القضية, واستمعتُ إلى نساء تحدثن عن علاقتهن
بالنقاب وراء ارتدائه, ولم تكن هؤلاء النسوة خائفات, أو مضطهدات، بل كُنَّ
على قدر وافر من الذكاء والعلم, وكثير منهن غربيَّات.
رمزية السِّتْر
ويمثل
ارتداء النقاب لكثير من المسلمين رمزًا لتمكين الإسلام, لسببين: أحدهما
أنه رفض صريح للقِيَم الغربية, وثانيها ضمني باعتباره رمزًا للدين, ويرى
العديد من المسلمين الحجاب باعتباره رمزًا لتميُّز المسلمات, وعلاوة على
ذلك, فهو يجعلك أكثر قربًا من النبي محمد وزوجاته (أمهات المؤمنين).
جديرٌ
بالذكر أن الحجاب الذي فرضه الله ليصون جسد المرأة, شُرِع لكي يتمَّ
تقييمُ الأفراد بحسب عقولِهم ومهاراتهم، بدلًا من المنظر والجمال وغيرها من
الأمور، ويمتلئُ العالم الغربي في هذا الوقت بالنساء اللواتي يتم الإعلان
عنهن باعتبارهن كائنات جنسية، وهذا ما يرفُضُه الحجاب, والذي يُقدِّر قيمةَ
المرأة وفق عقْلِها وليس جسدها.
الإسلام
منهج حياة, وليس مجرد دين, لذا فإن المسلمة تُعرف بارتدائها للحجاب, الذي
فرضه عليها دينُها الحنيف, أما النقاب, وبرغم أن القرآن لم يفرض ارتداءَه
فإن بعض المسلمات يرغَبْن في تغطية أنفسهن تمامًا حتى يكُنَّ أكثر روحانية
وقربًا من الله، وهذا هو خيارهن الذي يجب علينا احترامه.
ونحن
في داخل محيط عائلتي وأصدقائي, نحترم دومًا النساء اللواتي اخترن ارتداء
النقاب, كما أننا نتقبَّل كذلك حق كل شخص في التعبير عن دينِه وارتداء ما
يختارُه, فهناك من النساء المسلمات من ترتدي ملابس محتشمة دون ارتداء
الحجاب, وأخريات ترتدين الحجاب, ثم يأتي بعد ذلك اللواتي يرتدين النقاب أو
البرقع.
وعندما
يَطرح عليّ بعض أصدقائي غير المسلمين سؤالا حول النقاب أو البرقع, فإني
أحاول جاهدةً توضيح الصورة المغلوطة التي تصورها وسائل الإعلام عن النقاب,
وضرورة عدم تصديقها ومن ثَم انتهاجها, وأن هؤلاء اللاتي يخترن ارتداء
النقاب يرغبن في زيادة الحالة الروحية الخاصة بهن, وأعتقد أن مثل هذه
النقاشات المفتوحة تساعد الناس على فهم الخيارات التي ينتهجها الآخرون, مما
يجعل هذا الموضوع يبدو أقل غرابة, وربما إذا تعرَّض الجمهور الفرنسي
لمناقشات من هذا القبيل, فلن يتعرض النقاب لهذا الحملة الشرسة المناهضة.
مفارقات
في
كثير من الأحيان تخرج علينا فرنسا لتزهو بادعائها روح المساواة والحرية,
ولكنه من المفارقات أنها تستطيع أن تحمي مُثُلَها وقِيَمَها الثقافية,
وتقوم في الوقت ذاته بإنكار حق المرأة في ارتداء ما تشاء.
ماذا
حَلَّ بالتعددية الثقافية؟ ألا يمكننا أن نعيش جميعًا في مجتمع واحد, وما
زالتْ توجدُ خلافاتٌ ثقافية ودينية فيما بيننا؟ لقد صار تماسك المجتمع في
فرنسا على المحَكّ, لأن الحكومة تريد, من خلال حظر النقاب, تهميشَ أقليَّة
صغيرة من النساء اللواتي اخترن ارتداء النقاب, وبشكلٍ أكبر سيشعر المسلمون
في جميع أنحاء العالم بالتهميش بسبب القرار الذي يرفضُ منْحَ الحق في
ممارسة الدين, وهذا ما قد ينتج عنه أن تصبح المرأةُ المسلمة أكثر تمسُّكًا
بارتداء النقاب في تحدٍّ مباشر للحكومة.
أيًّا
كان شعورنا تجاه النقاب, فإنه ليس من شأْن أو اختصاص أي دولة أن تفرض أو
تُمْلي على المرأة ما ينبغي عليها ارتداؤه, وإذا ما كانت الحكومات تريد
بالفعل مكافحة اضطهاد المرأة, فينبغي عليهم, بدلًا من الحصول على فرض لحظْر
قطعة من القماش, أن توجِّه طاقاتها لملاحقة العنف وسوء المعاملة والاغتصاب
والقضاء عليه.
-------------------
طالع..المصدر
تعليقات