صراعٌ ديني يُمزِّق إسرائيل
ترجمة: حسن شعيب
تدور في إسرائيل هذه الأيام رحى حرب ثقافية، بين الطوائف الدينية والمجتمعات العلمانية، حوَّلت الشوارع إلى ساحة لاحتجاج عشرات الآلاف من "الأشكناز" المتدينين المتشددين (الأرثوذكس الأوروبيين)؛ ما أصاب الحركة في شوارع القدس- خاصة ضاحية "بين براك" في تل أبيب- بالشلل,
طالع..المصدر
وكانت
الشرارة الأولى التي أشعلتْ هذا الغضب، متمثلةً في سجن 43 زوجًا رفضوا
السماح لبناتهم بالالتحاق بمدرسة دينية تجعلهم يختلطون مع بنات اليهود
الشرقيين "المزراحي" (مصطلح يتداخل أحيانًا مع "السفارديم" وهم الذين
ينحدرون من أصول عربية).
طائفية متأصِّلَة
راقصين
مغنّين في جَنَبَات القدس، وصولًا إلى مركز الشرطة في المجمع الروسي،
توجَّه الرجال إلى السجون, مرتدين ملابس يوم السبت المبهرَجة, بقبعاتها
الطويلة ذات الفراء، ومعاطفها الحريرية السوداء الطويلة المطرزة, فيما
ارتدى بعضهم أوشحة حمراء كُتب عليها أسطورة "قداسة من أجل السماء"، في هذه
الأثناء قال الحاخام "إلياهو بيتون": "نحن نمضي، ويملأ الفرح قلوبنا", على
الرغم من أن 22 سيدة وأربعة رجال من المتهمين لم يظهروا تمامًا.
لقد
فضّل هؤلاء الآباء, من أتباع الحاخام "صموئيل بيرزوفسكي", قائد جماعة
طائفية تسمى"سلومنر", قضاء أسبوعين في السجن بدلًا من إرسال بناتهم إلى
مدرسة "بيس ياكوف"، بالقرب من منازلهم في مستوطنة "عمانوئيل" في الضفة
الغربية، فما السبب؟ في هذه المدرسة سيتمُّ الخلط بين أطفال "الأشكناز"
الغربيين مع أطفال "مزراحي" الشرقيين, وهي أُسَر علمانية، وبالتالي يزعم
المنتمون لطائفة "سلومنر" أنه قد يعرّض بناتهم المحافَظ عليهن إلى تأثيرات
غير مرغوب فيها من العالم الخارجي الواسع.
جذور العَدَاء
يُشار
إلى أن سجن هؤلاء الآباء كان تتويجًا لمعركة استمرَّت عامين بين الطائفة
المتشدِّدة "الأرثوذكس المتديِّنَة" التي تسيطر بفاعلية على المدارس، وبين
المحكمة العليا العلمانية في إسرائيل, وقبل الجدل المثار بسبب "بيس ياكوف"
لم يسمع كثيرون عن "سلومنرز", وهو اسم بلدة في بيلاروسيا، حيث وُلد وعاش
أول حاخام لهم هناك قبل مائتي عام.
وبرغم
وجود صراع داخلي بين الزعماء المتنافسين على السلطة في القدس وبني براك,
إلا أن أزمة التلميذات واختلاطهن بفتيات يهود الشرق أعادت اللُّحْمَة بين
هذه الطائفة، مما حولها إلى آخر طائفة حاملة لشعلة العداء المستحكَم بين
الأصوليين المتدينين "الأرثوذكس" والمؤسَّسَة العلمانية.
جديرٌ
بالذكر أن هذه الاحتجاجات العارمة الأخيرة هي الأكبر في القدس منذ عام
1999 عندما تجمع المتظاهرون المتشدِّدون "الأرثوذكس" في أعداد مماثلة في
عرض للقوة ضدّ التحَيُّز المزعوم للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد الدينيين,
وبعد مُضيّ عقْدٍ من الزمان, يبدو أن الفجوةَ بين الكيانين تشهدُ اتساعًا
أكثر من ذي قبل, وذلك في ظلّ إثارة مناقشات حادَّة بشأن قضايا مثل سلطة
المحاكم الدينية ودعم الدولة لطلاب المدارس الدينية وإعفاء المتدينين من
الخدمة العسكرية.
تفشِّي التَّمْييز
وقد
اندلعتْ هذه المناقشاتُ الحادَّة بعدما قضت المحكمة العليا في أغسطس من
عام 2009, بأن سياسية الفصل التي يتمُّ انتهاجها في مدرسة "بيس ياكوف" منذ
عامين من أجل طائفة "سلومنر" بلغت حد "التمييز المتفشي" ضد بقية التلاميذ
الذين يمثل 95 ٪ منهم طائفة "مزراحي", وأصدرت المحكمة أمرَها للمدرسة, التي
تموِّلُها الدولة, بإزالة الحواجز المادية ودمج الفصول الدراسية, وظل
الآباء يتحدون أمر المحكمة طوال الستة أشهر, ولكن بعد أن أُزيلت الحواجز في
نهاية المطاف, قامت 43 أسرة بإخراج بناتهم وإرسالهن إلى مدرسة أخرى
تموِّلُها الدولة في بني براك تبعد حوالي ساعة بالسيارة عن منازلِهن, لكنه
لم يسمح للآباء بنقل أطفالهم من مدرسة إلى أخرى في منتصف العام الدراسي دون
موافقة السلطات المسئولة عن التعليم.
هذا
الحكم يُعدُّ صادمًا للأشكناز بعدما حكمت المحكمة العليا بإلزام الآباء
بإعادة بناتهم إلى المدرسة المختلطة مع السفارديم فورًا أو سيتمُّ إيداعهم
السجن.
فَوْضى القَانون
من
جانبه, قال أفيعاد هكوهين المحامي الذي قدَّم الالتماس للمحكمة العليا
باسم يوآف لالوم, رئيس جمعية نوار كهلاشا التي تناهض التمييز العِرقي في
المدارس الدينية: إن رفض طائفة "سلومنر" السماح لأطفالهم بالذهاب لمدرسة
"بيس ياكوف" مع الفتيات اللاتي ينتمين إلى "مزراحي" أدى إلى استبعاد عشرات
المدارس للفتيات مزراحي منذ الخريف الماضي, وأضاف محذرًا: تعدُّ مشكلة
"عمانوئيل" هي غَيْض من فَيْض, مما يشكِّله الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة
التي تهدِّد سيادة القانون في إسرائيل.
ويُضيف
هكوهين: "قد يُفضي بنا هذا الأمر إلى فوضى حقيقية, ولكني آملُ في تحقيق
سيادة القانون وإلا فإنه لن نتمكن من توقيف الأصوليين المتشددين, كنت أتمنى
لو استطعت قول أن القانون سيفوز ولكني لست متأكدًا".
----------------------
تعليقات